المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 14 مارس 2025
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

علاقات على الهامش

نحن نخشى الفقد. ونخشى أن يرحل من نحب، أو أن نستيقظ ذات صباح فلا نجدهم، وتتحول الأماكن التي كانت تمتلئ بهم إلى مساحات خاوية، وتصبح الذكريات مجرد صور صامتة نحاول أن نستعيد دفئها، لكنها تظل جامدة، ولا تمنحنا سوى إحساس مرير بالحنين. فنحن نخاف، ليس فقط لأننا نحب، ولكن لأننا تعودنا، ولأن فكرة الخسارة تربكنا، وتجعلنا نشعر بالعجز، وكأننا نقف على حافة مجهول لا نعرف كيف نتعامل معه. لكن، هل فكرنا يومًا في حقيقة هذا الخوف؟ وهل نحن نخشى الفقد ذاته، أم أننا نخشى أن نصبح وحدنا في مواجهته؟ أم أن الأمر أعقد من ذلك، متعلقًا بوهم امتلاك لم يكن يومًا حقيقيًا؟
ففي بعض الأحيان يكون وجود شخص في حياتنا مجرد ظل... مجرد صورة نرسمها وفقًا لاحتياجنا، حيث نضع فيها ما نرغب به، وليس ما هو موجود بالفعل.
فقد يكون هذا الشخص هنا، معنا، لكن ليس كما نتصور، ليس كما نحتاجه أن يكون. وربما لم يكن يومًا لنا بالشكل الذي اعتقدناه، لكنه فقط استمر، فتوهمنا أنه جزء لا يتجزأ منا. فنحن لا نرى الأشياء كما هي، بل كما نريد أن نراها، وحين تهتز هذه الرؤية، هو نفسه الوقت الذي تبدأ فيه الحقيقة بالتسلل إلينا، وتشعرنا بالخوف. فنحن نخاف ليس لأننا سنخسر هذا الشخص، بل لأننا سنخسر النسخة التي بنيناها في خيالنا عنه، ونخسر الأمان الذي وفره لنا مجرد وجوده حتى لو لم يكن حقيقيًا.
لكن، ماذا لو لم يكن لنا أصلًا؟ ماذا لو كان لغيرنا منذ البداية؟ ماذا لو كان وجوده معنا مجرد محطة عابرة، أو ربما لم يكن حاضرًا سوى بجسده، بينما روحه في مكان آخر؟ فهل نخاف فقدانه، أم نخشى أن ندرك أخيرًا أنه لم يكن لنا يومًا؟ إن امتلاك الأشياء لا يعني أنها لنا، تمامًا كما أن بقاء الأشخاص لا يعني أنهم قريبون. فقد يكون بيننا وبينهم ألف حاجز لم نراه من قبل، وقد لا نراه إلا عندما يقررون الابتعاد... حين ندرك متأخرين أننا كنا نتمسك بوهم، لا بواقع.
فنحن لا نخشى أن نخسرهم بقدر ما نخشى أن نواجه حقيقة أنهم لم يكونوا لنا منذ البداية حيث نخشى أن ندرك، ولو للحظة واحدة، أن كل المشاعر التي وضعناها فيهم، وكل التوقعات التي بنيناها، وكل الأمل الذي استثمرناه، لم يكن سوى انعكاس لاحتياجنا، وليس نتيجة لوجودهم الفعلي في حياتنا. ونخاف أيضًا أن نرى الأمور بوضوح، أو أن نستيقظ ذات يوم وندرك أنهم لم يكونوا هنا بالطريقة التي كنا نظنها، وأنهم لم يمنحونا ما انتظرناه، ونحن من كان يصنع هذه الحكاية بأكملها.
ولكن، أليس من الأجدر أن نواجه هذه الحقيقة الآن بدلًا من تأجيلها؟ وأن نتعلم أن التمسك بما لا يمنحنا شيئًا سوى الخوف هو عبء لا طائل منه؟ وأن ندرك أيضًا أن الرحيل ليس دائمًا نهاية، بل قد يكون بداية لرؤية أوضح، ولنضج أكبر، لإعادة تعريف العلاقات من جديد؟ ربما كان علينا أن نعيد التفكير، أو أن نعيد النظر في كل ما نعتقد أنه ملكنا، أو أن نسأل أنفسنا بصدق: هل هو حقًا لنا؟ أم أننا فقط نريد أن نصدّق ذلك؟
 0  0  2.5K