الأعياد المستوردة.. حين يصبح الحب تجارة والهوية في مهب الريح!
في كل عام، مع اقتراب 14 فبراير، تكتسي الأسواق باللون الأحمر، وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي برموز القلوب ورسائل الحب، فيما تتسابق المتاجر والماركات العالمية لاستغلال هذه المناسبة تجاريًا. لكن هل تساءلنا يومًا: لماذا أصبح الحب مرتبطًا بيوم واحد؟ وهل نحتاج إلى تقليد أعياد وافدة لنعبر عن مشاعرنا؟
إن ما نشهده اليوم من مظاهر احتفالية في المناسبات المستوردة، مثل عيد الحب، وعيد الأم، وعيد الأب، وأعياد الميلاد، لم يعد مجرد تعبير عن المشاعر، بل تحول إلى ظاهرة استهلاكية بامتياز، تستغل العواطف لتسويق الهدايا والمنتجات، وكأن الحب والبر والتقدير يجب أن يكون لها توقيت معين حتى تكون صادقة!
هل نحتاج إلى رزنامة للحب والبر؟
إن ثقافتنا الإسلامية والعربية لم تجعل الحب والاحترام والوفاء مجرد لحظات احتفالية عابرة، بل رسّختها كأسلوب حياة دائم. فتكريم الوالدين لا يرتبط بيوم واحد، بل هو واجب يومي، والحب لا يُختزل في مناسبة مؤقتة، بل يظهر في المواقف النبيلة والتضحيات الصادقة.
لكن ما يحدث اليوم هو محاولة لفرض ثقافة بديلة، حيث يتم إعادة برمجة المشاعر وفق منظومة استهلاكية تجعل الفرد يشعر وكأنه بحاجة إلى هذه المناسبات ليكون محبوبًا أو مقدّرًا. وهذا يتناقض مع فطرتنا وقيمنا التي تحثّ على العطاء غير المشروط، والاحترام الدائم، بعيدًا عن أي التزامات اجتماعية زائفة.
الابتزاز التجاري باسم المشاعر!
حين يصبح اللون الأحمر رمزًا إلزاميًا يوم 14 فبراير، وعندما يتحول الشكر للوالدين إلى طقوس سنوية يُحدد لها يوم واحد فقط، فنحن أمام ابتزاز تجاري صريح. الشركات والمتاجر الكبرى لا تحتفل بهذه المناسبات حبًا في القيم الإنسانية، بل تسعى إلى تحقيق مليارات الدولارات من مبيعات الهدايا والورود والحلويات، مستغلة المشاعر الصادقة لجعلها سوقًا مفتوحة على مدار العام.
الأخطر من ذلك، أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أداة لترسيخ هذه الظواهر، عبر أيقونات ورموز تروّج لفكرة أن الحب لا يكتمل إلا عبر هذه الاحتفالات، مما يعزز فكرة الانجراف خلف ثقافة دخيلة تبتعد شيئًا فشيئًا عن جوهر العلاقات الحقيقية.
بين الهوية والانجراف الثقافي
لا يعني هذا أننا ضد الفرح والتعبير عن المشاعر، بل العكس تمامًا. لكن الفرق بين الانفتاح الواعي والانجراف غير المدروس هو ما يجب أن ندركه. فالتفاعل مع العالم ضرورة، لكن يجب أن يكون مبنيًا على وعي يحمي قيمنا وثوابتنا الثقافية، بدلًا من أن نتحول إلى مجتمع مستهلك يقلّد بلا وعي.
إن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تمتلك من المبادئ والموروثات ما يغنيها عن استيراد عادات لا تتناسب مع هويتها، ومسؤولية الحفاظ على هذه الهوية تقع على الأفراد، الأسر، المؤسسات التربوية، والإعلام، لخلق وعي قادر على التمييز بين ما يعزز القيم وما يهدمها.
رؤية المملكة 2030.. تعزيز الهوية في مواجهة الغزو الثقافي
وفي ظل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي تضع الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز القيم الإسلامية في مقدمة أولوياتها، أصبح من الضروري أن نكون أكثر وعيًا في مواجهة هذه الظواهر الوافدة، بحيث لا يكون الانفتاح على العالم سببًا في طمس خصوصيتنا الثقافية، بل وسيلة لتعزيزها وإثرائها.
المملكة اليوم لا ترفض الحداثة، لكنها تؤكد أن التطور لا يعني التخلي عن الأصالة، والانفتاح لا يعني الذوبان في الآخر.
نحن أمام مفترق طرق:
إما أن نكون مجرد مستهلكين لثقافات الآخرين، أو أن نكون حراسًا لهويتنا، نستمد قوتنا من تراثنا العظيم وقيمنا الراسخة، ونُثري العالم بثقافتنا، بدلًا من أن نكون مجرد نسخة مقلدة من ثقافات لا تمت إلينا بصلة.