المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 10 يناير 2025
السفير مصطفي الشربيني
السفير مصطفي الشربيني

عن السفير مصطفي الشربيني

سفير ميثاق المناخ الأوربي في مصر

الإعجاز في القرآن الكريم في تغير المناخ

الإنسان الذي كرمه الله واستخلفه في الأرض ليعمرها ويصون مواردها، تحول بمرور الزمن إلى أكبر مهدد لبقاء الكون واستقراره. في سباقه نحو التقدم والترف، أغفل أن هذا الكوكب له حدود في تحمله واستيعابه لعبث البشر. إن الأزمات البيئية التي نشهدها اليوم ليست سوى مقدمات لنهاية قاتمة تهدد الكون بأسره، نهاية صنعها الإنسان بيديه، نتيجة لجشعه المفرط وسعيه وراء متعته دون مراعاة للتوازن الذي أوجده الله.

تتحدث الكوارث المناخية المدمرة، من حرائق الغابات التي تلتهم الأخضر واليابس إلى الأعاصير التي تدمر المدن في لحظات، عن غضب الطبيعة الذي لم يأت من فراغ. فالبحار التي أغرقها الإنسان بالمخلفات، والهواء الذي لوثه بدخان المصانع، والأرض التي استنزف مواردها دون حكمة، كلها شهدت على أن الإنسان أصبح الخطر الأكبر على هذا الكوكب.

القرآن الكريم أشار منذ آلاف السنين إلى عواقب هذا العبث، محذرًا من أن الإفساد في الأرض يجلب معه العقاب الإلهي الذي لا مفر منه. ومع ذلك، استمر الإنسان في غفلته، معتقدًا أن تطوره التكنولوجي سيحميه من غضب الطبيعة، متناسيًا أن هذا الغضب هو جزء من سنن الله في الكون.

اليوم، نقف على أعتاب كارثة بيئية شاملة، حيث أصبحت المياه شحيحة، والغذاء مهدد، والمناخ متقلبًا بشكل خطير. إنها علامات على اقتراب النهاية، ليس لأن الله أراد ذلك، ولكن لأن الإنسان أصر على تحدي قوانين الطبيعة التي وضعها الله. وبدلًا من أن يكون الإنسان حارسًا على الأرض، أصبح عدوًا لها، يهدد بتدميرها بممارساته الجشعة وسلوكه غير المسؤول.

إذا استمر الإنسان في طريقه هذا، فإن النهاية لن تكون مجرد انهيار بيئي، بل قد تكون غضبًا إلهيًا شاملاً يعيد البشرية إلى نقطة الصفر. إن القرآن الكريم يقدم لنا دروسًا واضحة من قصص الأمم السابقة التي أهلكها الله بسبب إفسادها في الأرض. ولعل التحذيرات القرآنية التي سنتناولها في هذا المقال تكون دعوة للإنسان أن يعيد النظر في أفعاله، قبل أن تتحول الأرض إلى مكان لا يصلح للحياة.

إنها دعوة للتوبة والعودة إلى الله، وإلى التفكير الجاد في مستقبل الكون الذي اؤتمنا عليه. هل سيختار الإنسان طريق الإصلاح أم سيستمر في طريق الدمار الذي يقوده نحو نهاية قاتمة؟ الإجابة تكمن في أفعال البشر اليوم، وكل لحظة تمضي تقربنا أكثر من النقطة التي لا عودة منها.

القرآن الكريم يضع أسس الحفاظ على الطبيعة والتنبيه من عواقب العبث بها، ويأتي ذلك في قوله تعالى: "ألم تر أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" (لقمان: 20) هذه النعم التي سخرها الله للإنسان هي أمانة تحتاج إلى رعاية وحكمة، ولكن الإنسان جحد بها وأسرف في استخدامها مما أدى إلى كوارث لا تنتهي.

من الآيات التي تحمل تحذيرًا شديدًا قوله تعالى: "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" (الروم: 9) الأمم السابقة التي دمرتها الكوارث الطبيعية هي عبرة لكل من يتجاهل تحذيرات الله ويستمر في إفساده.

من الآيات التي تحذر من عواقب الغفلة قوله تعالى: "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون" (الأنعام: 42) الكوارث المناخية التي تضرب اليوم كل أرجاء الأرض ليست سوى دعوة للإنسان أن يتضرع إلى الله ويعيد حساباته قبل فوات الأوان ولكن الإنسان في غفلته مستمر.

الطبيعة التي تئن من أفعال الإنسان تعبر عن غضبها من خلال الكوارث، وهو ما تشير إليه الآية: "ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء" (الشورى: 27) جشع الإنسان في استنزاف الموارد دون تقدير لهذا القدر الحكيم يجعل من الكوارث وسيلة لإعادته إلى رشده.

الإنسان الذي يتفاخر بسيطرته على موارد الطبيعة يتجاهل تحذير القرآن في قوله: "وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر" (المدثر: 31) الكوارث الطبيعية التي تزداد ضراوة هي جند من جنود الله لتذكير الإنسان بضعفه أمام قدرة الخالق وبضرورة الحفاظ على ما وهبه الله من نعم.

الإنسان الذي يسرف في قطع الأشجار وتدمير الغابات يواجه تحذيرًا في قوله تعالى: "أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون" (الواقعة: 63-64) هذه الرسالة تؤكد أن الأرض والزراعة هي من نعم الله التي يجب الحفاظ عليها ولكن الإنسان يسير في طريق التدمير والجشع.

من الرسائل القاسية في القرآن قوله تعالى: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى" (طه: 124) الكوارث الطبيعية التي تؤدي إلى ندرة المياه والغذاء وتدهور الأراضي الزراعية هي شكل من أشكال المعيشة الضنك التي يتسبب فيها الإنسان بسبب إعراضه عن أوامر الله.

الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية هي نتائج مباشرة لجشع الإنسان كما يشير القرآن في قوله تعالى: "ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" (الروم: 41) هذه الرسالة الواضحة تؤكد أن الله يرسل هذه الكوارث لتكون إنذارًا للإنسان أن يتوقف عن عبثه بالطبيعة ولكن الكثيرين لا يعقلون.

الإنسان الذي يستمر في تلويث الأنهار والبحار يجد نفسه أمام تهديد واضح في قوله تعالى: "كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين" (البقرة: 60) تلوث المياه الذي يؤدي إلى موت الكائنات البحرية وتهديد صحة الإنسان هو شكل من أشكال الفساد الذي حرمه الله.

من الآيات التي تنذر بعواقب فساد الإنسان قوله تعالى: "إن الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار" (الرعد: 25) هذه اللعنة الإلهية التي تصيب المفسدين قد تكون في شكل كوارث طبيعية أو أزمات بيئية تدمر المجتمعات بشكل شامل.

الرسالة الإلهية في قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد: 11) تؤكد أن إصلاح التغيرات المناخية يبدأ من تغيير الإنسان لتصرفاته ولكن إذا استمر في غفلته فإن الكوارث لن تتوقف بل ستزداد حدة لتكون عقابًا مستحقًا.

الإنسان الذي يصر على تجاهل التحذيرات يجد نفسه أمام غضب الطبيعة كما يظهر في قوله: "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد" (البقرة: 205) هذه الرسالة توضح أن التغيرات المناخية التي تهدد الأمن الغذائي والبشري هي نتيجة مباشرة لهذا الفساد.

من التحذيرات الشديدة في القرآن قوله تعالى: "ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير" (الشورى: 8) الظلم الذي يمارسه الإنسان على الطبيعة من خلال استنزاف مواردها بشكل غير عادل يجعل الإنسان عرضة لكوارث لا يجد لها نصيرًا.

الإنسان الذي يسرف في استخدام الوقود الأحفوري ويتسبب في تلوث الغلاف الجوي يجد نفسه أمام رسالة واضحة في قوله تعالى: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما" (الفرقان: 67) هذه الدعوة للاعتدال يجب أن تشمل كل مناحي الحياة بما في ذلك استخدام الموارد الطبيعية.

من الآيات التي تدعونا للتفكر في أهمية التوازن قوله تعالى: "وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون" (الأعراف: 10) هذه المعايش التي أهدرها الإنسان من خلال استنزاف الموارد الطبيعية يجب أن تكون دافعًا له للتوبة وإعادة التفكير في سلوكياته.

الإنسان الذي يستهين بالكوارث الطبيعية يجد نفسه أمام تهديد في قوله تعالى: "إن بطش ربك لشديد" (البروج: 12) هذه الكوارث ليست سوى وسيلة إلهية لإيقاظ الإنسان من غفلته وتذكيره بضرورة العودة إلى الطريق القويم.

الغضب الإلهي يتجلى في الطبيعة كما ورد في قوله تعالى: "فصب عليهم ربك سوط عذاب" (الفجر: 13) الإنسان الذي يظن أنه يستطيع السيطرة على الأرض ومواردها يواجه هذا السوط من خلال أعاصير وفيضانات وزلازل تجعل قوته وهمًا

الرسالة القرآنية في قوله تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين" (الأعراف: 85) تدعو الإنسان إلى التوقف عن تدمير البيئة ولكن إذا أصر على فساده فإنه يجلب على نفسه الكوارث التي لن تنتهي.

وفي ختام مقالي هذا واد أن انوه الي ان تغير المناخ ليس مجرد ظاهرة طبيعية ولكنه رسالة غضب من الله كما يظهر في قوله تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون" (يس: 82) الإنسان الذي يعبث بالطبيعة يتحدى أوامر الله وعليه أن يتحمل عواقب ذلك ما لم يبادر بالتوبة والإصلاح.

*رئيس الكرسي العلمي للاستدامة والبصمة الكربونية بمنظمة الألكسو بجامعة الدول العربية ، والمراقب باتفاقية باريس لتغير المناخ بالأمم المتحدة
 0  0  1.6K