المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأربعاء 8 يناير 2025
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

الاحتراق الوظيفي

الاحتراق الوظيفي ليس مجرد مصطلح يطلق على حالة إرهاق عابرة تصيب الموظفين، بل هو أمر نفسي وجسدي له أبعاد تتجاوز حدود الأفراد إلى الهيكل الإداري نفسه. إنه حالة تظهر عندما تتراكم ضغوط العمل، ويختلط غياب التقدير بضعف التخطيط الإداري، مما يؤدي إلى استنزاف طاقات الموظفين وتقويض إنتاجيتهم. والمثير هنا أن الحديث عن الاحتراق الوظيفي غالباً ما يرتبط بالموظفين فقط، بينما يغيب التساؤل حول دور الإدارات أو المديرين في منع هذه الظاهرة أو المساهمة في تفاقمها.
فالاحتراق الوظيفي يمر بمراحل تراكمية، تبدأ بشعور الموظف بالإرهاق الفكري والجسدي نتيجة ضغط العمل المستمر، وتفاقمها لبيئة تفتقر للتحفيز أو تنعدم فيها العدالة التنظيمية. فتشير بعض الدراسات إلى أن مدة الاحتراق الوظيفي قد تمتد إلى ثلاثين شهرًا، وهي فترة طويلة بما يكفي لتدمير الروح المعنوية للموظف وإنهاك طاقته. وخلال هذه الفترة، قد يتحول الموظف من فرد منتج وفعال إلى شخص منهك يفتقد الحماسة، ما ينعكس على أدائه ويضعه على حافة الفصل أو الإحالة إلى مسار آخر.
لكن لماذا يتحمل الموظف وحده تبعات هذا الاحتراق؟ أليس المدير شريكًا في المسؤولية؟ فالمدير الناجح يدرك أن فريقه هو المحرك الأساسي لنجاح المؤسسة. لذلك، يعمل بذكاء لخلق بيئة عمل صحية ومريحة وهذه البيئة لا تتأتى من فراغ؛ بل هي ثمرة تفهمه العميق لمهارات وقدرات كل فرد في فريقه. فعندما تُوزّع المهام بناءً على الإمكانيات، تقل الضغوط ويزداد الانسجام، فتتحقق الكفاءة والإنتاجية،
إن التحفيز عنصر أساسي آخر لا يمكن إغفاله. فالمدير المتميز لا يكتفي بالمطالبة بالنتائج، بل يعمل على إلهام فريقه من خلال التحفيز المادي والمعنوي. فالمكافآت وفرص التدريب والتطوير المهني والتمكين الوظيفي ليست مجرد امتيازات، بل هي أدوات استراتيجية تعزز من ارتباط الموظف بعمله وتدفعه للعطاء. أما العدالة التنظيمية فهي معيار لا يقل أهمية؛ فعندما يشعر الموظف أنه يُعامل بإنصاف، فإنه يعمل بثقة تجعل نشاطه يتجدد كل يوم. فالمدير المتميز لا يعرف المحاباة ولا يسمح بوجود مظلومين في فريقه؛ فالنظام والتنظيم عنده أولوية لا تخضع للاجتهادات الشخصية.
لكن، إذا لم يتمكن المدير من خلق هذه البيئة المثالية، فإن عليه أن يتحلى بالشجاعة الكافية ليعترف بعدم كفاءته. فالقيادة ليست منصبًا تشريفيًا أو امتيازًا شخصيًا، بل مسؤولية ضخمة تتطلب الالتزام والقدرة على مواجهة التحديات. فالمدير غير القادر على إدارة فريقه بفعالية عليه أن يتخذ خطوة للوراء، ليترك المنصب لمن هو أقدر على تحمل تبعاته، أو يختار دورًا آخر لا يتسبب من خلاله في إرهاق فريقه.
فالاحتراق الوظيفي إذًا ليس مشكلة فردية بل هو انعكاس لبيئة العمل بأكملها. والحل يبدأ من الإدارة الواعية التي تدرك أن النجاح الجماعي يتطلب جهودًا متكاملة. فعندما يلتزم المديرون بتوفير بيئة عمل محفزة وعادلة، لن يكون هناك مكان للاحتراق الوظيفي، وسنرى الموظفين يعملون بشغف وانسجام نحو تحقيق الأهداف.
 0  0  15.1K