القول الثمين للرد عن ابن عثيمين
إنّ من كبريات المآسي التي يعاني منها واقعنا الفكري المعاصر هو الاتهام المرسل دون تثبت أو تحقيق، خاصة إذا طال ذلك الاتهام رجالًا أفنوا حياتهم في خدمة الدين والعلم، فما أثير حول تكفير الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- للأزهريين لا يمكن أن يُفهم إلا في سياق جدل عقيم يتجاهل الحقائق وينزلق إلى التراشق بالألفاظ، بدلًا من البناء على أرضية مشتركة تجمع علماء الأمة في مواجهة تحدياتها.
فالشيخ ابن عثيمين، رحمه الله، عالمٌ موسوعي عُرف بفقهه الدقيق وفهمه العميق لنصوص الشرع، وبطبيعته لم يكن ممن يتعجلون في إطلاق الأحكام، فضلًا عن التكفير الذي طالما حذر منه، وبيّن أن فيه شروطًا وموانع لا يجوز تجاوزها.
فكان الشيخ يدرك أن الاختلاف في المسائل الفقهية والعقدية جزء من التراث الإسلامي، وأنه لا يحق لأحد أن يحتكر الصواب أو يدّعي العصمة، بل كان يدعو دائمًا إلى الحوار القائم على الأدلة الشرعية والاحترام المتبادل.
فلا نشك أن الأزهر الشريف، كيانٌ عريق أسهم في حمل مشاعل العلم والدعوة على مر العصور، واحتضن مدارس فكرية متنوعة. لكنه، كأي مؤسسة علمية، ليس فوق النقد البناء، فالنقد الذي يصحح المسار لا يعني التكفير، بل هو دلالة على أن هناك مساحة واسعة للتعلم والنقاش.
فادعاء أن ابن عثيمين كفّر الأزهريين يتناقض مع شخصيته العلمية ومعروف منهجه الوسطي وإنما كان يُقيم الحجة، ويناقش الأفكار دون أن يطعن في الأشخاص أو المؤسسات.
ثم أن مقام العلماء فوق الاتهام فالحديث عن العلماء ينبغي أن يكون بمنتهى الأدب والاحترام؛ فهم ورثة الأنبياء، وهم الذين حملوا لواء الدين في أوقات الشدة.
أيها الوزير الكريم، إنّ اتهامكم للشيخ ابن عثيمين بحاجة إلى دليلٍ واضح أو بيانٍ صادق يُنصف الحق ولا يثير الفتن.
فكيف نرضى أن تتحول ساحات العلم إلى ميادين للخصومة والتجريح؟ ألم يقل الله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم"*
؟
ألم يُحذر النبي ﷺ من الطعن في العلماء حين قال: "إن العلماء ورثة الأنبياء"؟
ورسالتي ودعوتي إلى الإنصاف تقتضي أن ننادي أهل الأزهر وطلبة العلم في كل مكان، إن الأمانة العلمية تقتضي أن ننظر إلى خلافاتنا بروح الرحمة لا روح الخصومة. فابن عثيمين عالمٌ خدم الإسلام، وصنف ١٨٠ مؤلف بعضها تجاوز ٢٠ مجلدا كما أن الأزهر قلعةٌ للعلم، فلا تجعلوا من الاختلاف سببًا للتفرقة، بل اجعلوه حافزًا للبحث والحوار.
وإلى معالي الوزير، أقول: إن العلماء أمثال ابن عثيمين والأزهريين أمانة في رقابنا، وأي كلمة غير محسوبة بحقهم قد تؤجج نيران الفتنة. فلنحمل وأقوالنا وأقلامنا بالحق، ولنجعل كلماتنا وحروفنا نورًا للحقائق لا وقودًا للجدل.
ختامًا: يبقى العلماء كالنجوم في سماء الإسلام، كلٌّ في مكانه ومقامه، يضيئون الطريق للأمة. فلا تغيب شمس أحدهم باتهام، ولا يخبو نوره بجدل. "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن".