المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 21 ديسمبر 2024
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

البروتوكول الاجتماعي

لقد أصبحت قواعد البروتوكول وآداب الإتيكيت اليوم ضرورة حتمية للأفراد، لا رفاهية يختارها البعض أو مظهرًا شكليًا يُضاف إلى سلوكهم فهذه القواعد هي المعيار الذي يُقاس به تحضّر الإنسان ولباقته، وهي الترجمة العملية لمدى وعيه بنفسه واحترامه للآخرين. فالإتيكيت والبروتوكول لا يُظهران فقط صورتك أمام الآخرين، بل يُحددان كيف يُقيمك الناس، وكيف يقرأون ثقافتك وشخصيتك في تفاصيلك الصغيرة.
فالبروتوكول، هذا النظام الصارم الذي يُحدد أسس التعامل في المناسبات الرسمية، لا يترك مجالًا للعشوائية. فهو الذي يُملي أين تجلس، ومتى تصل، وكيف تتفاعل في بيئة تفرض قيودها بحزم لتُحافظ على نظامها وهيبتها. أما الإتيكيت، فهو الجانب الأكثر رُقيًا ومرونة، الذي يعكس الذوق الشخصي في كل حركة أو كلمة، من أسلوب الحديث إلى طريقة التصرّف، ومن احترام المساحات الشخصية إلى التعامل مع المواقف اليومية بلباقة تجعل من صاحبها شخصًا مميزًا.
ولكن ما يثير الدهشة، أن بعض الأفراد، رغم مكانتهم العلمية أو الاجتماعية، يفتقرون للحد الأدنى من هذه القواعد. فأصبحنا نرى من يتأخر عن مواعيده في المناسبات الرسمية دون اكتراث، وكأن الالتزام بالوقت أمر ثانوي لا يمس صورته أمام الآخرين. ونرى من يُجادل في ترتيبات الجلوس، ويرفض احترام تنظيم المضيفين، وكأن الأمر معركة يُثبت فيها مكانته لا مناسبة يُظهر فيها احترامه. بل إن بعضهم يجلس في أماكن ليست مخصصة له، متجاهلًا وجود أشخاص آخرين قد خُصصت لهم هذه المقاعد بعناية وفقًا لأدوارهم أو مكانتهم، مما يُسبب إحراجًا للمضيف ويُضعف صورته أمام الحاضرين.
وفي مناسبات أخرى، تجد من يُصر على الاقتراب من الشخصيات الاعتبارية حيث يُحاول التقاط الصور معهم دون مراعاة للبروتوكول الذي يحدد بوضوح حدود التعامل مع هذه الشخصيات، ومثل هذه التصرفات لا تضر فقط بسمعة الفرد، بل تكشف عن افتقاره لفهم أساسي للقواعد التي تُنظم العلاقات في الأوساط الرسمية.
وأكثر ما يُبرز قلة الوعي بهذه القواعد هو التصرّف في صالات الطعام أثناء الدعوات الرسمية. فتجد البعض يتهافتون على الموائد بلا مراعاة لما يعكسه هذا التصرف من قلة لياقة، وكأن وجود الطعام يُلغي أي حاجة للظهور بمظهر لائق أو متحضر، وهذا المشهد يُؤكد أن الالتزام بالإتيكيت ليس مجرد معرفة نظرية، بل هو سلوك ينبع من شخصية متزنة تدرك كيف تتعامل مع كل موقف بما يليق
فقواعد البروتوكول والإتيكيت ليست مجرد تعليمات جامدة، بل هي أدوات تُصقل شخصية الفرد وتمنحه الهيبة والقبول في أي مكان. فمن يلتزم بها لا يُظهر فقط احترامه للآخرين، بل يفرض احترامه عليهم دون أن يطلبه حيث إنها تعكس وعيك بقيمتك، وفهمك لدورك في أي بيئة تدخلها، فالإتيكيت والبروتوكول هما الترجمة العملية لمدى نضجك، فلا يمكن لإنسان يفتقر إلى هذه القواعد أن يترك أثرًا إيجابيًا، مهما كانت قدراته أو إمكانياته الأخرى.
وفي النهاية، الالتزام بقواعد البروتوكول والإتيكيت هو مسؤوليتك كفرد وهو انعكاس حقيقي لأخلاقياتك وذوقك، ولصورة تود أن يراها الآخرون عنك. فلا يمكن لجهل هذه القواعد أن يُبرر بتعلات واهية، لأن تعلّمها والتدرّب عليها لا يحتاج سوى رغبة حقيقية في تطوير الذات وكن ذلك الشخص الذي يُجبر الجميع على احترامه بفضل لباقة تصرفاته ورُقي أسلوبه، لأن العالم اليوم لا يُقيّم الأشخاص فقط بما يعرفونه، بل بكيفية تعاملهم مع من حولهم.
 0  0  3.6K