و تفوق الطالب على معلّمه ..
تصاريف هذه الحياة فيها العجيب ..مهما توقعت انقلاب الموازين فلن يتصور عقلك أحداثا و أمورا تصير فتصير ومنها قد يغدو الغريب قريب ..و قد يحيا طويلا من ظن الطبيبُ موته قريب.. و قد يصدق مرة من تعود على تلفيق الأكاذيب ..لكن الأغرب أن يفوق التلميذ أستاذه الذي علّمه فنون الكلام و التصويب.
لا أنكر حق كل إنساني بتحقيق أهدافه.. فالطموح البشري لا يقف عند حد و إنجازات الإنسان أكثر من أن تُحصى أو تُعدّ.. فما دلم العقل البشري يتطور فلا غروَ بأن كل طالب سيصبح مهندسا أو طبيبا أو بارعا في فن ما ..لكن أن يتفوق على معلمه فهذه قليلا ما تحدث لأحد.
أبارك لكل تلميذ تفوّق على معلمه و أشد على يديه و أقول له: واصل سيرك و إبداعك و خذ حقك في التألق.. و تمتع بما وهبه الله لك من علم و عمل مميز و اترك طيب الأثر في كل منجر و كل عمل ..و أهمس في أذنك أن تشكر معلمك ولو بكلمة تطيب خاطره و تسرّ فؤاده.
و في طور ما نعيشه و مواكبة للزمن المتسارع و ثورة الاتصالات و المعلومات و الانفجار المعرفي إن لم يواكب هذا المعلم ( أو المهندس أو الطبيب أو صاحب الحرفة أو..أو .. أو ) إن لم يواكب متغيرات العصر فسيصبح عاجزا عن فهمه و إدراك ما يدور حوله.. وحينها سيسهل على أي تلميذ له أن يتفوق عليه .
في القديم عندما كان الطالب يتفوق على معلمه كان يصيبه الخجل إن سُئل عن أمر ما يخالف رأي معلمه و يكون رأيه هو الصواب ..يخجل و يطرح حله و رؤيته بأدب ..و قصة إصدار حكم سيدنا داود على الخصمين :صاحب الغنم التي نفشت في الحرث ، و صاحب الحرث (الأرض ) قصة مشهورة حيث قضى سيدنا داود بأن يأخذ صاحب الحرث الأغنام ..فتدخل سيدنا سليمان بن داود بأدب جم و حكم بأن يتبادل الخصمان فيأخذ صاحب الحرث الغنم عاما حتى يستفيد من لبنها و خيرها بينما صاحب الغنم يأخذ الأرض فيصلحها و يزرعها عاما ينتفع بها ثم يعود الغنم لصاحبه و تعود الأرض لصاحبها.. هذا قديما لكن الآن لم يبق الحال كما هو فبعض الطلاب يفوق معلمه و لكن يُبقي لمعلمه التقدير و الاحترام و بعضهم .. يتبجح بتفوقه و ينكر فضل معلمه عليه..
قال الشاعر معن المزني :
أَعَلِّمُهُ الرِمايَةَ كُلُّ يَومٍ ** فَلَمّا اِستَدَّ ساعِدُهُ رَماني
وَكَم عَلَّمتُهُ نَظمَ القَوافي ** فَلَمّا قالَ قافِيَةً هَجاني
و الرماية هنا يقصد بها كل فن أو علم أو تعليم في الحياة.. مدهش أن يتفوق الطالب على معلمه لكن قمة الدهشة أن ينكر فضله ..فلولا ذاك المعلم أو صاحب الحرفة أو الراعي أو التاجر الذي علّم غيره لما كان لك أي دور أيها الطالب فكيف تتنكر لمن علمك و أدبك و رعاك و فهمك ؟
حاول أن تستقرئ التاريخ يا هذا الطالب ..و خذ العبر منه ..فالعلاقات الإنسانية أساسها الاحترام و التفاهم و الاحترام المتبادل .. كل علاقة بشرية أشبهها بالمركب ..فإما أن يغرق من عليه أو ينجوا معا..و نبقى كلنا على مركب الحياة ..و بين ربان السفينة و بحارته المبتدئين ستبقى ثنائية الطالب و المعلم مستمرة. دمتم بخير.