لا تُعطِ المغروم وَظَفْ
العنوان هو من الأمثال الحضرمية الشائعة وذات الدلالة البعيدة في معناه، وفي البدء لابد من التعريف بمفردات العنوان اللغوية: مغروم في لهجة أهل حضرموت تعني: مجنون (واللفظ على وزن مفعول) وهذه الكلمة شائعة جداً بمعنى (مجنون) وليس بمعنى (عاشق) كما قد يُفهَم لأول وهلة ...
وأمّا مفردة (وَظَفْ) لم أجد لها تعريفاً في المعجمات اللغوية لكنه شبيهاً بالمقلاع الذي كان يستخدمه أطفال الحجارة الفلسطينية في انتفاضتهم الأولى في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وأمّا في حضرموت يستخدمه (الشُرّاح) في المواسم الزراعية وقبل حصاد محصول الذُرَه عندما تهجم عليه أسراب الطيور من فصيلة الحمام والعُول وغيرهما فيحمون المحصول بهذه الضربات الموجعة التي تساهم في تفريق الطيور وقتل بعضها لتكون طعاماً لهم، لكن عندما يُعطَى هذا (الوَظَفْ) للمغاريم فبالإمكان استخدامه في غير محله فيصيبون المارّة من الناس أو حتى الحيوانات بجرحٍ أو عاهةٍ قد تكون مستديمة،
حقيقة تذكرت هذا المثل عندما أسمع بين الحين والآخر ما يحدث من تعديات على حياة مواطنين عزّل من قبل أفراد المليشيات المسلحة التي تسيطر على المشهد في بعض المحافظات اليمنية ومنها محافظة عدن على وجه التحديد، وحادثة التعدي على فتاة قاصر ومحاولة اختطافها من قبل أفراد مسلحين يتبعون إحدى هذه الفصائل المسلحة التي يفترض أنه مناط بها حماية الأمن العام والسكينة العامة للمواطنين بدلاً من التعدّي عليهم وبث الرعب في صفوفهم،
تفاصيل هذه الحادثة وغيرها من الحوادث التي تشهدها البلاد أو لنقل بعض المحافظات خلال عقدٍ من الزمان مضى تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمر أُسنِدَ الى غير أهله، وأن المغروم لم يُعطَى (وَظَفْ) بل أعطيَ سلاحاً نارياً قاتلاً ينهي به حياة المستهدف وغير المستهدف، وفوق هذا وذاك هو لم يكن مغروماً حقيقةً بل تم توظيفه على أنه كامل الأهلية ويستلم راتبه بالعملة الأجنبية وتيسّرت له كثير من الأمور والامكانيات ما لم تتيسّر لغيره، فلماذا يصبح عامل رعب وإرهاب للمواطن بدلاً أن يكون عامل سكينة واطمئنان؟
هذا السؤال وغيره نطرحه على معالي وزير الداخلية اللواء الركن إبراهيم حيدان هل مثل تلك العينات وقياداتها ينبغي استمرارها في قطاعات الأمن المختلفة بالوزارة؟ وإن كانت قد فُرِضَت عليكم فرضاً ولا مجال للتغيير أو التبديل فعلى أقل تقدير لابدّ من إخضاعها لبرنامج تأهيلي من جديد يشمل كافة الجوانب الايمانية والسلوكية والتعريف بأعراف المجتمع وعاداته وتقاليده وأنّ رجل الأمن في الأصل يفترض أنه حامياً للأخلاق والفضيلة لا منتهكاً لها، وأن أرواح الناس وأعراضهم وأموالهم مقدسة في كل الشرائع السماوية وهم الأولى بحمايتها،
لن أتطرق الى تفاصيل الكثير من الحوادث لأنها معروفة للقاصي والداني وكلّما قلنا إنها مجرد حوادث عابرة نسمع ونقرأ بين الحين والآخر تكرارها هنا وهناك وفي الوقت نفسه لا حسيب ولا رقيب،
حادثة فتاة بئر احمد الأخيرة وصرخات الأم المكلومة على ما جرى لابنتها وجدت الكثير من التعاطف معها والاستنكار لما جرى لها من بعض الشخصيات والمراجع القبلية ويشكرون على هذه المواقف النبيلة ونذكر منها على سبيل المثال:
ما قاله الشيخ احمد العيسي (ما حصل في عدن قضية لا يمكن السكوت عليها، التعدي على بنت قاصر عملٌ جبانٌ ومدان، ونقول للجميع بأنها بنتنا وأي تعدي على هذه الأسرة سنعتبره تعدي علينا جميعاً)
وأما الشيخ حمود المخلافي فقال (لا يمكن تجاهل أو تجاوز ما حدث في عدن فالتعدي على فتاة قاصر عملٌ جبانٌ ومشين، ونؤكد للجميع أن تلك الفتاة هي بنت اليمن جميعاً)
وكذلك المناضل على حسين البجيري الذي قال (ما حصل في عدن قضية لا يمكن التغافل عنها أو السكوت عليها)
والسؤال الذي يطرح نفسه أين المواقف الرسمية من الوزراء وأعضاء مجلس النواب ومسؤولي السلطة المحلية؟ وماهي ردود كبار القوم وهم الولاة من هكذا أفعال مشينة؟
ونختم بما قاله شاعر الحرية احمد مطر:
أيُّها الناسُ اتَّقوا نارَ جهنَّمْ
لا تُسيئوا الظنَّ بالوالي
فسوءُ الظّـنِّ في الشَّرْعِ مُحَرّمْ
أيّها الناسُ أنا في كُلِّ أحوالي
سعيدُ ومُنَعَّـمْ
ليسَ لي في الدربِ سفَّاحٌ
ولا في البيتِ مأتَـمْ
ودَمِي غير مُبَاحٍ وفمي غير مُكَمَّـمْ