حضارم الباخمري
منذ العودة للكتابة الأسبوعية بعد التوقف في شهر رمضان وأمامي أكثر من حدث وددت التعليق عليه ولكن تزاحم الأحداث يجعلني بين المفاضلة في التقديم والتأخير كما هو حال موضوعي اليوم،
وهناك موضوعين آخرين لهما من الأهمية مكانهما سأعود اليهما الأسابيع القادمة بإذن الله.
احتفلت مدينة المكلا ثاني أيام عيد الفطر الماضي بفعالية أطلق عليها اليوم العالمي للباخمري الحضرمي،
والباخمري كما هو معروف نوع من المعجنات المقلية بالزيت تُستهلك غالباً في الإفطار مع كأس شأي بالحليب والحقيقة هي ليست حضرمية الأصل وإنما جاء بها المغتربون الحضارمة من سواحل شرق افريقيا ويطلق عليها (المندازي) وانتشرت في معظم المدن الحضرمية لسهولة تحضيرها ولبساطة تكلفتها المالية،
وأخذت صبغة الهوية الحضرمية وأصبحت مرافقة للحضارم في مهاجرهم وعلى وجه الخصوص في المدن السعودية حيث انتشرت محلات الوجبات الخفيفة بتحضير بنقالي والباخمري احداها والأكثر مبيعاً لدرجة أنك تجد أمام بعض المحلات طوابير طويلة، وخاصة أن ربّات البيوت اللواتي طغت عليهن مظاهر الطفرة المالية والبريستيج المظهري لم يعد لديهن الوقت الكافي لصناعتها في المنزل رغم سهولة تحضيرها،
من بضع سنين ومع انتشار وسائل التواصل الحديثة ظهرت حكاية اليوم العالمي للباخمري من قبل بعض الناشطين ورافقته بعض الإعلانات التجارية لتجار الدقيق ومن هنا تم اختيار ثاني أيام عيد الفطر المبارك لهذه المناسبة،
ما لفت نظري هذا العام العدد المهول من الحضور التلقائي لهذه الفعالية التي أقيمت في مدينة المكلا حاضرة حضرموت حتى أن أحدهم وصفها بالمليونية على غِرار المليونيات الانتقالية التي تُكلِّف الملايين من أرصدة الداعمين وطبعاً لا تؤثر على أرصدتهم فهي كما يقول المثل الحضرمي (قبصة في قرن ثور)،
مليونية الباخمري هذه المرة حضرها رئيس الوزراء الجديد الدكتور احمد عوض بن مبارك ضيف حضرموت ومعه عدد من الوزراء فتكرموا بالجلوس مع البسطاء والكادحين في المقاهي الشعبية وأكلوا العديد من حبّات الباخمري وارتشفوا أقداحاً من الشاي بأنواعه العادي والملبّن واستمعوا الى نُكات بعض الحاضرين الذين كانوا بجواره وعلى مقربةٍ منه والذين تم اختيارهم بعناية فائقة ذكّرتني ببعض أحداث الفلم المصري (طبّاخ الرئيس)،
وكانت نتيجة هذه المشاهد التي يقرأها المتابع قبل بن مبارك أن أحوال الناس في غاية الروعة وأنهم يعيشون أجمل أيامهم وخاصة في وجود محافظ فلته لم يجد الزمان بمثله قرأ تاريخ حضرموت جيداً فهو في طريقه للانتقال بها الى العالمية مع الفارق بينه وبين استاذه فالمنجزات ستُحسب له بينما استاذه كان يحسبها لزعيمه ولهذا رفع تلك اللوحات العملاقة التي تحمل صوره في عامي 2005 و2006 وتتصدرها عبارة (منجزات ترقى الى مستوى المعجزات) وأخرى (أتيت بما لم يأتِ به الأوائل)،
هذه الجموع لم تُذكِّر بن مبارك ومرافقيه الأكارم أنهم يعيشون ضنك العيش وأن آلاف المعلمين المناط بهم تربية وتعليم الأجيال راتبهم الشهري لن يكفيهم قيمة وجبات الباخمري لو اعتمدوا عليها فقط طوال الشهر دون غيرها وأن الكهرباء في بيوت المواطنين لا تستمر ساعتين متواصلة واما الانقطاع فساعات طوال طوال،
فكيف يكون حال الأطفال الرُضّع والعجائز الرُكّع في درجة حرارة عالية ورطوبة شديدة لا يتحمّل الجسد حتى الملابس الخفيفة،
وأما المياه هي الأخرى على الرغم من عدم نقاوتها لتكون صالحة للشرب فهي الأخرى أصبحت تتقطع بين الحين والآخر لكن الفواتير تأتي تباعاً وفي موعدها والويل لمن تأخّر في التسديد،
هذه الجموع لم ترفع لافتة أمام رئيس الوزراء تذكّره بأن مطار الريان مغلق منذ سنوات طويلة وبالكاد سمحوا برحلة أسبوعية الى مطار جده ومثلها الى عدن بينما المواطن المريض والذي يحتاج للسفر الى مصر يقطع أكثر من 400 كيلو ليصل الى مطار سيئون وفي وقت كحد أدنى ست ساعات في طريق مليء بالحفر والمطبّات، ناهيك عن الآلاف الذين يسافرون عبر المنفذ البري ولا يصلون الى وجهتهم إلاّ بعد أيام،
وفي الأخير نقول لمن نظّم الاحتفال بالمندازي السواحلي كان الأولى مطالبة بن مبارك بإقامة مهرجانات لتعريف الأجيال بأعلام حضرموت الأفذاذ على مدار التاريخ في شتى المجالات من أمثال أبن خلدون الحضرمي وامرؤ القيس وطالب الحق وباكثير وغيرهم ممن تجهلهم الأجيال الحاضرة.