المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

عقارب الساعة

يكمن سرّ السعادة والاستقرار في فنّ العيش المتوازن أو ما نطلق عليه أحياناً الاعتدال... ذلك الفن الذي يصعب العثور عليه في الحياة لأنه وببساطة ليس مجرد مهمة عابرة، بل هو رحلة عميقة نحو تحقيق التناغم الداخلي والاستقرار الروحي. إن هذه الحياة التي تتصف بالاعتدال تعتمد اعتمادا كليا على تحقيق التوازن بين الأهداف والتطلعات وبين الواقع المحيط بك، وتوجيه طاقتك نحو السكينة الداخلية والتفاعل الإيجابي مع التحديات. فتحقيق التوازن أو تطبيق الاعتدال في حياتنا أمر ليس بالسهولة المطلقة، إذ يتطلب الكثير من العمل الداخلي والتفكير العميق وكونه المبدأ الأساسي للحياة، نرى الاعتدال يظهر في كل شيء، حتى في أصغر وأدق التفاصيل. فعلى سبيل المثال، تخيل نفسك تجلس على ضفة نهر هادئ، وستلاحظ حينها مدى توازن الطبيعة من حولك. فستجد الأشجار المثمرة تلتقط أشعة الشمس الدافئة بأوراقها، وفي نفس الوقت تمتص التربة ثناياها لتحافظ على نموها الصحي. والحيوانات تعيش في أرضها، وكل منها يحقق التوازن من خلال تناسقها مع البيئة بجانبها.
وعلى الجانب الآخر قد ترى شخص ينقطع عن تناول الطعام لأيام، وعندما يعود فإنه يأكل بشراهة. أو قد تراه أياما عديدة منعزلاً عن العالم ثم فجأة يخرج ويهيم لأيام في الشوارع ويعمل كالمجنون ثم يتعطل عن العمل لأشهر، ويسهر حتى الفجر ويصحو مع الغروب... فالسؤال هنا هل ترى أن النجاح قد يكون حليفه يوماً؟؟
فلو كانت الحياة لوحة فنية، فإن لون الاعتدال سيكون من بين الألوان الأكثر صعوبة وتعقيداً. فالاعتدال ليس مجرد لون باهت يمكن تجاهله، بل هو لون يحمل في طياته الكثير من القوة والنجاح.
فالاعتدال يشبه سلم بيانو معقد يتطلب جهداً ومهارة للعبه بشكل صحيح. فكما يتحتم على الموسيقي التوجه للأجزاء العليا والسفلى من السلم لضبط النغمات والحفاظ على التوازن، فإن الحياة تتطلب نفس الدقة والسعي لتحقيق الاعتدال.
إن الاعتدال هو العنصر الأساسي في النجاح والسعادة، حيث يساعدنا على توزيع الجهود والطاقة بطريقة مستدامة ومتوازنة، فالحياة مثلها كمثل الحبل الذي يجب أن يتحرك بين الشد والانفراج لكي يحافظ على استقراره وصلابته ولا ينقطع.
فعندما نعيش حياة معتدلة ومتوازنة، فإننا لا نفرط ولا نتجاوز الحدود، بل نسير على خط مفتوح بين الإفراط والقلة. فالفرد الذي يتمتع بثروة فاحشة، وينغمس في إثرائه المادي، قد يكون محاطاً بانهيارات في أعماق روحه. ولذلك فإن السعي وراء شيء واحد بعينه بينما نهمل في غيره مهما كان بسيط، يؤدي إلى عزلتنا عن أنفسنا وعن الآخرين ويساعدنا أكثر على هدم حياتنا بشكل أسرع.
فالحياة في توازنها واعتدالها هبة نفيسة... هبة لا تقدر بثمن نعطيها لأنفسنا، نخزن في أعماقنا أشهى اللحظات المملوءة بالوضوح والهدوء، ونحتفظ بها كقوة تساندنا وتُعيننا على المضي قدماً رغم هول أمواج الحياة الجارفة.
ولذلك، فإن الوصول إلى الاعتدال يتطلب صبراً وقوة إرادة فهي رحلة طويلة قد تكون مليئة بالتحديات والمواجهات، لكنها في النهاية تستحق العناء. فتكوين حياة متوازنة ليس مهمة سهلة، ولكنه يعطينا القوة والاستقرار للوقوف في وجه أي عاصفة قد تواجهنا.
ومن ذلك، فإن لون الاعتدال ليس باهتاً على الإطلاق، بل هو لون قوي وجذاب يجسد القدرة على التحكم في حياتنا والتوازن بين العواطف والتحديات. فعندما نتبنى التوازن في حياتنا، فإننا نرتقي بأنفسنا نحو الاستقرار والسعادة. فعِش حياة متوازنة، كن دقيقاً كعقارب الساعة التي تتحرك بسلاسة وثبات على الدوام، واستعمل العقل والقلب بنفس الكفاءة. ستكتشف أن هذا التوازن هو المفتاح لتعزيز جودة حياتك وتحقيق النجاح في جميع جوانبها.
 0  0  19.0K