سطحيون
نظل يومياً لساعات طويلة أمام شاشات هواتفنا نتصفح المواقع الإلكترونية والمقالات المختلفة، وبالطبع ذلك يؤثر علينا بشكل كبير و اول هذه التأثيرات هي تغيير طريقة استهلاكنا للمعلومات مستبدلين الكتب والمطبوعات بمجرد شاشات رقمية، لكن تأثير الانترنت لا يقتصر فقط على تغيير طريقة استهلاكنا للمعلومات، بل يتداخل أعمق من ذلك بكثير، حيث يعمل على إعادة تشكيل انماطنا العصبية... وبطبيعة الأمر يؤثر أيضاً في قدرتنا على التركيز والتأمل. لكن كيف يأتي ذلك التشكيل لعقولنا؟
فلكل عقل مدى قابلية للتكيف مع ما حوله، أو بمعنى آخر عكس ما كنا نتخيله من قبل، حيث كنا نظن أن عقولنا عبارة عن ماكينة صلبة ثابتة لا تتغير لكن على عكس ذلك، فإن عقل الإنسان فعلياً ديناميكية، قابلة للتغيير بشكل كبير وسريع جدا، وذلك بناءً على تفاعلاتنا وتجاربنا المختلفة. وهذه الميكانيكية أو المرونة ذات أهمية قوية جدا في تفاعلنا اليومي وخصوصاً مع التكنولوجيا الرقمية المنتشرة حولنا.
وعند التفكير في كم الساعات التي نقضيها في التمرير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو الانتقال من فيديو لأخر، نجد أن ذلك ليس تمريراً خالياً من التأثير على عقولنا، فهو يعيد توجيه مساراتنا العصبية بشكل تدريجي، وذلك ما يجعل لهذا التحول تأثيرات عميقة على قدرتنا على التعمق في الفكر.
وبالتأكيد كل الابتكارات السابقة والحالية بتأثيراتها على الإدراك البشري، تمهد الطريق لتأثير الإنترنت العميق علينا. فمثلا إذا نظرنا إلى اختراع الساعة، فلم يكن قياس الوقت بواسطتها فقط منذ البداية، لكن من خلالها بدأت نظرتنا للوقت تتغير. فقد عاش البشر قديماً وفقاً للطبيعة كشروق الشمس وغروبها لكن وجود الساعة هو ما جعلنا نقسم أوقاتنا تقسيما منهجياً، وهو ما جعلنا نعمل على تغيير الوقت نفسه.
وبالمثل، إن الحصول على المعلومات في البداية كان عن طريق حلقات المعرفة أو غيرها من الوسائل ومن ثم بدأ ظهور الكتاب المطبوع حيث كان بمثابة ثورة في نقل وتوفير المعلومات. ومع ذلك، لم يتوقف تأثير ذلك التطور عند هذا الحد، بل أثرت الكتب المطبوعة في العمليات المعرفية، مما شجع على القراءة العميقة وتحفيز التفكير التحليلي.
وعند انتقالنا إلى العصر الرقمي، وتطور طرق انتقال المعلومات أو الحصول عليها، بدأ الإنترنت يأخذ مكانة مركزية في حياتنا اليومية. تماماً مثلما قام الكتاب بتشكيل إدراكنا في العصور المواتية لذلك، حيث قدم الإنترنت تحولات خاصة به. ولكن، سرعة وحجم تأثيره لا تسبقهما سابقة. فبينما كانت التكنولوجيات السابقة تزرع عمق الفكر، كان الإنترنت يروج للعرض على حساب العمق. فالاكتساب المستمر للمعلومات، والطابع المتفرق الذي نتلقى به المعلومات، والسرعة التي نستهلكها بها، كلها أدت في النهاية إلى خلق نهج سطحي لقراءة ومعالجة المعلومات. وذلك على عكس طبيعة القراءة الكتابية التي تتيح لنا الغمر العميق والتأمل والتفكير، فالقراءة الإلكترونية غالباً ما تشجعنا على المرور السريع، والقفز من رابط إلى آخر، والانشغال المستمر بالتنبيهات والتحديثات الجديدة.
وبالطبع كل هذه العادات "الرقمية"، لا تغير سلوكياتنا في القراءة والاطلاع فحسب، لكنها أيضاً ذات تأثير عميق على قدرتنا على التأمل، والتفكير النقدي، والإبداع. وذلك بسبب المقاطعة وتشتيت الانتباه المستمر، والتي بدورها لا تعطي الفرصة لعقولنا للانخراط في العمليات المعرفية العميقة، التي تعد أساسية للتفكير النقدي، وتكوين الذكريات الدائمة، وإشعال الإبداع.
فعقولنا قابلة للتشكيل وتتكيف مع الأدوات التي نستخدمها. فكلما انخرطنا في القراءة السطحية واسترجاع المعلومات بسرعة عبر الإنترنت، كلما اعتادت عقولنا على ومضات معلومات قصيرة، ومع مرور الوقت تتناقص قدرتنا على التركيز واصبحنا "سطحيون"
فلكل عقل مدى قابلية للتكيف مع ما حوله، أو بمعنى آخر عكس ما كنا نتخيله من قبل، حيث كنا نظن أن عقولنا عبارة عن ماكينة صلبة ثابتة لا تتغير لكن على عكس ذلك، فإن عقل الإنسان فعلياً ديناميكية، قابلة للتغيير بشكل كبير وسريع جدا، وذلك بناءً على تفاعلاتنا وتجاربنا المختلفة. وهذه الميكانيكية أو المرونة ذات أهمية قوية جدا في تفاعلنا اليومي وخصوصاً مع التكنولوجيا الرقمية المنتشرة حولنا.
وعند التفكير في كم الساعات التي نقضيها في التمرير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو الانتقال من فيديو لأخر، نجد أن ذلك ليس تمريراً خالياً من التأثير على عقولنا، فهو يعيد توجيه مساراتنا العصبية بشكل تدريجي، وذلك ما يجعل لهذا التحول تأثيرات عميقة على قدرتنا على التعمق في الفكر.
وبالتأكيد كل الابتكارات السابقة والحالية بتأثيراتها على الإدراك البشري، تمهد الطريق لتأثير الإنترنت العميق علينا. فمثلا إذا نظرنا إلى اختراع الساعة، فلم يكن قياس الوقت بواسطتها فقط منذ البداية، لكن من خلالها بدأت نظرتنا للوقت تتغير. فقد عاش البشر قديماً وفقاً للطبيعة كشروق الشمس وغروبها لكن وجود الساعة هو ما جعلنا نقسم أوقاتنا تقسيما منهجياً، وهو ما جعلنا نعمل على تغيير الوقت نفسه.
وبالمثل، إن الحصول على المعلومات في البداية كان عن طريق حلقات المعرفة أو غيرها من الوسائل ومن ثم بدأ ظهور الكتاب المطبوع حيث كان بمثابة ثورة في نقل وتوفير المعلومات. ومع ذلك، لم يتوقف تأثير ذلك التطور عند هذا الحد، بل أثرت الكتب المطبوعة في العمليات المعرفية، مما شجع على القراءة العميقة وتحفيز التفكير التحليلي.
وعند انتقالنا إلى العصر الرقمي، وتطور طرق انتقال المعلومات أو الحصول عليها، بدأ الإنترنت يأخذ مكانة مركزية في حياتنا اليومية. تماماً مثلما قام الكتاب بتشكيل إدراكنا في العصور المواتية لذلك، حيث قدم الإنترنت تحولات خاصة به. ولكن، سرعة وحجم تأثيره لا تسبقهما سابقة. فبينما كانت التكنولوجيات السابقة تزرع عمق الفكر، كان الإنترنت يروج للعرض على حساب العمق. فالاكتساب المستمر للمعلومات، والطابع المتفرق الذي نتلقى به المعلومات، والسرعة التي نستهلكها بها، كلها أدت في النهاية إلى خلق نهج سطحي لقراءة ومعالجة المعلومات. وذلك على عكس طبيعة القراءة الكتابية التي تتيح لنا الغمر العميق والتأمل والتفكير، فالقراءة الإلكترونية غالباً ما تشجعنا على المرور السريع، والقفز من رابط إلى آخر، والانشغال المستمر بالتنبيهات والتحديثات الجديدة.
وبالطبع كل هذه العادات "الرقمية"، لا تغير سلوكياتنا في القراءة والاطلاع فحسب، لكنها أيضاً ذات تأثير عميق على قدرتنا على التأمل، والتفكير النقدي، والإبداع. وذلك بسبب المقاطعة وتشتيت الانتباه المستمر، والتي بدورها لا تعطي الفرصة لعقولنا للانخراط في العمليات المعرفية العميقة، التي تعد أساسية للتفكير النقدي، وتكوين الذكريات الدائمة، وإشعال الإبداع.
فعقولنا قابلة للتشكيل وتتكيف مع الأدوات التي نستخدمها. فكلما انخرطنا في القراءة السطحية واسترجاع المعلومات بسرعة عبر الإنترنت، كلما اعتادت عقولنا على ومضات معلومات قصيرة، ومع مرور الوقت تتناقص قدرتنا على التركيز واصبحنا "سطحيون"