المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ".

أسأل الله الذي أعاد العيد وطوى الشهر الفقيد أن يمدكم بعمر مديد، وكل عام وأنتم بخيروصحة وسلامة وينعاد عليكم وعلى سكان قلوب بالخير الكبير،
ومع قدوم العيد المبارك، يطفو على السطح في أذهاننا جميعا ذكريات أيام العيد الجميلة، تلك التي كانت تتسم بأجواء احتفالية تنبعث منها روح الفرح والبهجة. والسهر والاستمتاع في انتظار صلاة العيد وفرحة الاحتفال بارتداء أجمل الثياب، فأيام العيد ترْسخ في الذاكرة... تتغذي الروح بذكرياتها التي تداعبنا بقية العمر، فحين تشتاق الذاكرة لماضٍ جميل نهرول لذكريات العيد التي ذهبت بذهاب أجدادنا وجداتنا.
نحتفل سنوياً بعيدنا المبارك، نتجمع مع الأهالي والاقارب والجيران وترافقنا الفرحة والبهجة، نتنقل بين البيوت مهنئين ومهللين، ونلتقي بالإخوان والأصحاب متبادلين اطيب التحيات والتهاني، وكل واحد منا يتمني للآخر عيداً سعيداً، وعمراً مديداً، ونجاحاً وتوفيقاً... لكن هل أصبحت فرحتنا بالعيد اليوم نفسها أمس؟
العيد كان ومازال من المناسبات الجميلة والقليلة التي يحرص الجميع على الاحتفال بها. لكن أصبح القلة القليلة هي التي تحافظ على عادات وتقاليد العيد والاحتفال به كما يجب أن يكون. وعلى مر العصور لم تتغير المعاني السامية التي تحملها أعيادنا سواء كان عيد الفطر أو عيد الأضحى، وبالتأكيد لم تتلاشى الفرحة والبهجة بقدومهما، إنما كل ما تغير في الحاضر عن الماضي ما هو إلا تعمق للسلوكيات المجتمعية، فقد تأثرت بهجة العيد بتقدم وتطور الحياة والمعطيات اليومية التي تعتمد على الديناميكية المتسارعة للعصر الحديث. لكن ومع اختلاف الأجيال و تطور العادات والتقاليد وتغير الحياة تغيرت معها مشاعرنا بالأجواء التي كانت تنتشر قديماً.
فاليوم نحن نفتقد للزيارات العائلية التي كانت بمثابة تقليد مقدّس وواجب اجتماعي، وفقدنا عادات كانت سائدة في السابق لا يمكن التفريط بها، واصبح عيدنا اليوم يقتصر على زيارة الأقارب من الدرجة الأولى مهنئين بعض بالعيد بطريقة فاترة ومختصرة عن ذي قبل، فالحياة وما بها من مشاغل لم تعد تسمح بأكثر من ذلك، فكلٌّ لديه ما يشغله ويشغل باله ووقته.
وأكثر ما كان له التأثير في ذلك، ذهاب من كانوا لهم فالقلب الشق الأكبر... من كانوا يجمعونا حولهم ولا يكتمل العيد إلا بهم، ذهبوا وذهبت معهم عادتنا الجميلة، فكان الجد والجدة هما محور الارتكاز الذي نلتف حوله ولا نتفرق ومن بعد ذهابهم تأثر كل شيء سلباً.
ويزيد على ذلك أن أصبحت معظم المباركات والتهنئات إلكترونية بضغطة زر لا تحمل اي مشاعر، فبرسالة واتساب واحدة من كلمات معدودة نظن أننا قد قمنا بما علينا وأننا بذلك تواصلنا مع اقاربنا ومحبينا، وحتى وإن اجتمعنا فالهاتف هو أكبر مشارك في مجلسنا، فهو صاحب السيطرة الذي له الاهتمام الأكبر ونصبح حاضرين بأجسادنا فقط وعقولنا ليست حاضرة،
حيث افتقدنا حتى لحلويات العيد الشعبية التي كانت من أهم وأكبر مظاهر العيد المميزة قديماً، فالاجتماع مع الجد أو الجدة وعمل حلويات العيد وأخذ العيدية عيد بحد ذاته واحتفالية عائلية في كل بيت، فقد كان هو الفرصة الأكبر لتجمع كل أفراد الأسرة من أطفال ونساء فلم نعد نراها اليوم. وبعيداً عن الاسباب والمسببات، لم تعد رائحة الحلويات تفوح من البيوت في أواخر رمضان كما كانت في الأمس...
فقدنا ما كنا ننتظره طوال العام، فقدنا ملاهي الالعاب التي كنا نحلم بالعيد وننتظره لنذهب إليها ونلعب بما بها ونحتفل بالعيد وتحديدا في اليوم الأول، فلم يكن ممكنا تصور العيد دون الذهاب إلى الملاهي في أول أيامه، وبوصولك لها كأنك صعدت للقمر، ووصلت بك السعادة أقصى درجاتها، ولم يعد اليوم هذا التقليد مميزاً للعيد، حيث أصبحت الألعاب الإلكترونية هي المفضلة عند الأطفال، وحل محلها الذهاب للمولات والمطاعم واصبحوا أشد ضرورة مما كبرنا عليه.
فقدنا بهجة العيد، بفقدان فرحة الثياب الجديدة ذلك الحدث الجلل الذي كان يشغل بالنا ونحن أطفال منذ بداية رمضان، واهم من الحدث هو خطواته من الذهاب للسوق لشراء الملابس الجديدة واحتضانها كل ليلة، إلى أن تُلبس في بروفات لتحسين الهيئة لعدة مرات قبل العيد والتأكيد على امهاتنا وابائنا بألا يجعلون أحد يرى الملابس لكي يتفاجأ كل من يراها، وأعتقد أن هذا المظهر الجميل من مظاهر العيد لم يطرأ عليه من التغيير كثير، فما زالت الملابس الجديدة عند الأطفال هي فرحة العيد الاولى، لا تضاهيها أي فرحة إلا فرحة اليوم الأول للعيد وجمع العيديات والتي لم تتغير هي الأخرى.
فالعيد فرحة، ولكل تقليد من هذه التقاليد متعة خاصة ونكهة ممتعة تتميز بها عن غيرها، والاستغناء عن بعضها قد يكون سبباً في اختلاف مشاعر البهجة والسرور بالعيد بين اليوم وأمس، وربما هي الحياة وتقدمها وربما هي الناس واختلاف اهتماماتهم بين لحظة والأخرى.
ففي أجواء عيد اليوم نفتقد لأحباب رحلوا عنا، ونفتقد لبساطة احتفالاتنا، وأصبحت المبالغة والتباهي والاستعراض أموراً تسيطر على زيارات العيد، فلم تعد البساطة والرقي والاستمتاع باللحظات موجودة كالأمس.
 0  0  5.9K