المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأربعاء 8 مايو 2024
طارق محمود نواب _ مكة
طارق محمود نواب _ مكة

صديق بدرجة إنسان

الصداقة، هذا الرابط الروحي العميق الذي يجمع بين النفوس بعيداً عن متاهات الزمان والمكان، فهي تُعَدُّ أحد أهم ركائز الحياة التي لا تقاس بالزمن أو الكمية، بل بجودة الروابط الإنسانية التي تنشأ بين الأفراد. وللصداقة أشكال مختلفة بروابط مختلفة ولكن من يتربع على عرش القلوب ذاك الصديق الحنون، ذو القلب الطيب، الذي يظل دائماً محط أنظار القلوب، فهو الصديق الذي يترك بصماته الدافئة في حياة الآخرين، ويبقى رفيقاً وفياً يرتقي إلى لدرجات عليا من الإنسانية.
فالصديق هو ذلك النجم اللامع في سمائك، هو الذي ينير الطريق بنوره الدافئ ويمنحك الأمل والدعم في أصعب اللحظات. فهو ليس مجرد شخص يعطيك إيجابية ويشعرك بلحظات السعادة، بل هو رفيق الروح الذي يمتلك القدرة على فهمك بلا حاجة للكلمات، ويقدم دائما الدعم والمساندة دون أن تطلبها.
فالصديق هو الروح التي ترتبط بروحك دون حاجة للكلمات، وهو مَن يترجم لغة الصمت إلى لغة الفهم العميق، يدرك من خلالها أسرارك كما لو كانت كتاب مفتوح أمام عينيه، وينغمس في أعماقك كالمحيط الهادئ الذي يحتضن كل ما في داخلك بدون أن يثير أمواج الاضطراب.
لكن ومع ذلك ليس كل قريب صديق، فالصديق الحقيقي هو الذي يتجاوز حدود اللغة المنطوقة، وهو من يفهم لغة الصمت ويقرأ ما بين السطور ويسمع ما لا يُسمع بأذن مجردة... فهو ذلك الشريك الذي يعرف أن غياب الكلمات لا يعني غياب الشعور، بل هو يتجاوز كل ذلك ليصل به إلى أسمى درجات الإنسانية والفهم العميق... وهو ذلك المنصت، الذي يعزف لحناً من الصمت، حيث يفهم اللغة الخفية للقلوب دون أن يلجأ إلى كلمات معقدة وهو الذي يقف بجانبك بصمتٍ تاركاً مساحة لأفكارك وعواطفك لتتنقل بين كلماتك غير المنطوقة، ونظرات تحمل كل المعاني وفي الوقت ذاته يترك لك حرية التعبير دون مقاطعة.
فالصديق الحقيقي هو من يرافقك في رحلة الحياة، ويصون صمته كنصبٍ عتيق يعتلي قلعة الثقة بينكم. وهو ذلك الشخص الذي يتجاوز الحدود اللفظية، ويجسد الوفاء بكل معنى الكلمة، فهو في حزنه صامت وفي أحزانك وأفراحك مستقبلاً لها بقلبٍ مفتوح كالسماء الصافية في ليلة هادئة وهو ذلك الحكيم الذي يحتفظ بأسرارك، وهوكذلك الذي معه تتداخل أرواحكما بلا حواجز، وكل حديث يكون ترجمة لمشاعر يصعب تصويرها بالكلمات العادية.
وهو أيضاً من ينسج من كلماتك المتعثرة خيوط متصلة ليفهم وجعك، ويستشعر آلامك التي لم تعبر عنها حروفك. فيترجم تلك الكلمات إلى لغة لا يفهمها غيركم، فالصديق الحقيقي ليس فقط من يقف بجانبك في اللحظات السعيدة، بل هو من يسبقك إلى أعماق وجعك، ويفهمك بلا حاجة لمجرد حروف. فهو من يدرك أصوات قلبك المكلوم، حتى إنه يروي لك ما بداخلك، كأنه هو من يشعر بذلك أو أنك رويته بدل المرة آلاف المرات.
فالصديق الحقيقي هو من ينبعث من عمقه الرغبة في خدمتك بلا حاجة للسؤال، يستشعر احتياجاتك وتطلعاتك دون أن تعبأ بتعبيرها بالكلمات، فهو يتداخل في الوقت المناسب دائماً ليمنحك المساعدة التي تحتاجها دون عناء الطلب. فيكون دائماً محط ثقتك المطلقة، حيث يحتفظ بأسرارك كالكنز الثمين دون حاجة لإرشاده، فيكون دائماً حاضراً ليستمع إلى كلماتك المتعثرة ويعززها بالتفهم والدعم، محافظاً على كرامتك وكيانك باستمرار،
فذلك الصديق يتجاوز حدود الكلمات العادية، إذ يظهر بوهج الاهتمام والرعاية حتى في أدق التفاصيل ويُظهر أصله النبيل ويقدم لك المساعدة بإلحاح دون أن تطلبها، مما يحميك من محنة السؤال والمذلة ويكون موجوداً بإخلاص، حاملاً لمشاعر الرغبة في تخفيف عبء الحياة وكلماته تنعكس كاللؤلؤ في تعامله، وحتى كلماتك المتعثرة يستقبلها بكامل التركيز ويحولها لكلمات مرتبة.
فصديقك ليس مجرد رفيق في السراء، بل رفيق أبدي يظل إلى الأبد، يمسح دموع الحزن ويُضيء طريق الفرح بوجوده الدائم. إنه الونس في كل لحظة والعون في كل تجربة.
 0  0  7.0K