حضرموت واليمن
قبل أيام أرسل لي أحد الإخوة مقالاً للشيخ صالح باكرمان أحد علماء أهل السنة والجماعة في حضرموت ويحمل عنوان (هل حضرموت من اليمن) وحقيقة ليس مقالاً عابراً بل بحث علمي تاريخي مميز يجيب فيه على تساؤلات البعض حول جدلية حضرموت واليمن فقال:
(هل لأننا نتبنى مواقف سياسية معينة نريد أن نغيّر التاريخ والجغرافيا، وإذا كان هذا قبل التمكين، فما الذي سيحدث لو أن الله عز وجل منّ علينا نحن الحضارمة بالتمكين وأخذ الحقوق؟ هل تريدون منا أن نتنصّل من يمنيتنا، ونتنزه عن المزايا التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم تاجاً على رؤوس اليمنيين؟!
إننا متمسكون تمام التمسك بحقوق حضرموت، ومؤمنون أشد الإيمان بخصائص حضرموت والحضارمة، فحضرموت جزء متميز من أجزاء اليمن منذ زمن بعيد، أمّا أن يقال: إن حضرموت ليست من اليمن فهذا الذي لا نستطع أن نبلعه).
واستعرض الشيخ صالح عدداً من الأدلة التاريخية وفنّدَ الكثير من الاستنباطات التي لا تصح بمنهج علمي
بعيداً عن العواطف والمواقف السياسية الحديثة الصنع، وحَريٌّ بكُلِّ باحثٍ عن الحقيقة ومتجردٍ من الهوى أن يعودَ لهذا المقال فقد يجد فيه ضالته المنشودة إن كان يبحث عنها،
وقد دخلت قبل ليلتين في احدى المساحات الحوارية التي يديرها الدكتور أبو صالح العوذلي وكانت حول حضرموت وارتباطها الثقافي والاجتماعي باليمن وقد شاركت بقراءة بحث الشيخ الحضرمي (صالح باكرمان) الآنف الذكر، وتعرضت بعدها لهجوم شرس من معرفات تدّعي أنها حضرمية ولكن ثقافة السباب والشتم مستوردة تماماً من جهات أخرى لا تمس لحضرموت بصلة،
عموماً لن أطيل في هذه الجدلية فبالنسبة لي لن أحيد عن المنهج الرباني الذي حدده ربنا سبحانه وتعالى في قوله (وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَة) كل الأمة هويتها واحدة وان اختلفت مناطقها وبلدانها وأمّا هويات سايكس وبيكو فهي دخيلة علينا وهي من أوردتنا المهالك ومزقتنا شرّ ممزق،
وقد سمعت ذات يوم الدكتور الحضرمي احمد بن دغر يقول حضرموت كبيرة وكبُرَت باليمن واليمن كبير وكبُرَ بحضرموت.
وهذه البلاد على مدار تاريخها شهدت ممالك متعددة تتحد احياناً وتتمزق احياناً أخرى،
ولا تجعلنا حالة التردّي التي تعيشها اليمن سياسياً التي أوقعنا فيها بعض الساسة أن ننظر لليمن واليمنيين شزراً ونتنمّر عليهم ونجعل من أنفسنا كأننا شعب الله المختار وننسى العيوب الكثيرة التي يحملها بعضنا،
صحيح قد ننساق عاطفياً إلى من يقول طالما وحال الأمة كله ممزق واليمن في أسوأ حالاته فلتكن لنا دولة منفردة نحفظ فيه كياننا وهويتنا الخاصة ونستمتع بثرواتنا ولا ينافسنا فيها أحد، حقيقة كلام جميل لكن هل سيُترك لك حالك تفعل ما تريد ونحن نرى التشظي الداخلي الذي يحمل في طياته الانانية المفرطة واستعلاء قوم على قوم، ناهيك عن تدخلات الهيمنة الدولية التي تحافظ على ما حققته منذ استئثارها بتركة الرجل المريض،
عموما ً لن أطيل في هذا وقد نرجع له في مناسبة قادمة، وسأعود لبعض استدلالات الشيخ صالح التاريخية،
(سمعت مرة أحد المتحمسين يستدل بحديث: «حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ» على فضل حضرموت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خصها بالذكر! وعلى هذا فصنعاء أفضل من حضرموت؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خصها بالذكر كذلك وذكرها أولاً! مع أن هذا مجرد مثال على البُعد فبين صنعاء وحضرموت مسافة ومفازة وأهل فيد. والشيء الآخر الذي استنبطه ذلك المتحدث من الحديث آنف الذكر هو أن حضرموت ليست من اليمن! ويطول عجب المرء عند هذا الاستنباط المذهل الذي لم يسبق إليه! فلا أدري ما وجه الدلالة فيه، فاليمن لم تُذكر البتّة في الحديث، فليس في الحديث نفي أن تكون حضرموت من اليمن ولا إثبات ذلك، وأما صنعاء فليست هي اليمن، وإنما هي مدينة من مدنه،
فهل يعتقد هذا المستنبط بأن الربط بين مدينتين بـ”من” و”إلى” يدل على أنهما من بلدتين لا يجوز أن يجمعهما اسم واحد؟ والأمثلة كثيرة التي تجعلنا نقف عاجزين أمام تلك العقليات التي تحلل وتفسر وتقدم فذلكات لا تمت للمنطق ولا للواقع ولا للتاريخ بشيء.
سأتوقف هنا لنستكمل ما قاله الشيخ صالح في الأسبوع القادم ان شاء الله.