المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

كل شيء بوقته حلو

قال الروائي ليو تولستوي "كل شيء سيتحقق في أوانه، لمن يعرف كيف ينتظر".
ففي مرات عديدة وأثناء جلوسي أمام أواصر الورق أو شاشة الحاسوب، ممسكاً بقلمي، اسعى لرصد فكرة أو كلمات تصف موضوع ما، أشعر وكأن الأفكار قد هربت بعيداً كالدخان وقد يدفعني ذلك إلى تأجيل الموضوع مرات عديدة. لكن في لحظةٍ ما، أجد كلمات تتردد داخلي... تلك الكلمات التي قد تطايرت من قبل... تُلهمني وتحرّك كل قواي لبدء الكتابة بشغف، والتعبير بأبهى صورة، وأسترسل في صياغة الجمل بكل روعة.
وتلك اللحظات بالتأكيد كانت تصيبني أحياناً بتشتت أفكاري لكنها أيضا كانت تجعلني أتساءل: هل هذا التشتت جزء من العملية؟ هل هو إشارة تخبرني أن الوقت لم يحن بعد لكتابة ذلك الموضوع أم أنني بحاجة لانتظار اللحظة المناسبة؟
إن كل ما توصلت إليه حينها أننا نعيش في طبيعة لا يحكمها إلا الوقت أو بالأحرى الوقت المناسب وحدوث كل شيء في أوانه المحدد له. فكل لحظة تأتي وترحل كما يجب، وكل تجربة تظهر في زمنها المحدد، سواء كانت فرحة مفاجئة أو حتى الجروح التي تحتاج إلى الشفاء. فنحن جزء من رحلة مكونة من نسيج زمني متشابك، حيث يخلط الماضي ذكرياته بالحاضر وينسج الحاضر خيوطه مع المستقبل, وهذه الرحلة قد تحمل في جعبتها معانٍ وعبراً قد تبدو غامضة في البداية، ولكنها دائماً جزءًا من القصة الكبيرة التي تبنيها الحياة وتلك الرحلة التي تعلمنا أن الوقت يمتلك قوة لا تُضاهى اي قوة أخرى في تشكيل مسارنا ونمونا الشخصي،
وإن تفاصيل حياتنا تتغير وفقاً لإيقاع الزمن. الفرح والألم، الانتصارات والهزائم، كل شيء يحدث في لحظته المناسبة، وحتى الجروح لا تلتئم تبعاً لرغباتنا وإرادتنا، بل في وقتها المناسب. وتلك الآلام التي لا تذهب فور إخبارك لها بأن تذهب، بل إنها تستمر في تألمك إلى أن تتلاشى في أوانها ونحن أدوارٌ في مسرحية الحياة، نقوم بأدوارنا بتوقيت دقيق دون إشعار مسبق.
وعندما نبصر الأمور من زوايا مختلفة، نكتشف أن الحياة تخبئ لنا مفاجآت في الأوقات التي قد لا نتوقعها وقد تأتي الصدمات في أوقات هادئة، وتظهر البهجة في أوقات اليأس. لكن على أي حال نحن ندرك تماماً أن هذا التدفق الزمني له غايته ومنطقه الخاص، حيث كل شيء يجري بموجبه.
لكن ما يبقى أهم هو كيفية تجاوبنا مع تلك الأحداث وربما لا يكون الوقت دائماً ما نحن في حاجة إليه أو ما نرغب فيه، ولكن في التقبل والتأقلم مع مسارات الزمن، نجد السكينة والحكمة. في النهاية، فكل شيء يأتي في أوانه ليصقلنا، ليعلمنا دروسًا جديدة، ولنغرق في عمق الحياة ونقبل تقلباتها بروح مطمئنة.
فلا تستعجل الأشياء وتدفع الأمور بقوة، بل دعها تأخذ مداها حتى تتهيأ للتغيير. فالأشياء العظيمة لم يتم إنجازها إلا بعد صبر هائل. والرجل العظيم بلا شك صبور عظيم، والصبر هنا ودائماً لا يعني الاستسلام، بل أراه دائماً انتظار فلكل شيء أوانه وقد تفسد الخطة إذا استعجلتها، والصبر هو الصبر على العمل حتى يكتمل إنجازه، والصبر على مر الأيام حتى تزول.
وفي نهاية المطاف، نكتشف أن الوقت يحمل معه دروساً كبيرة، وأن كل شيء يحدث في أوانه. فلنبتعد عن التحكم المطلق، ولنتقبل حكمة الزمن ورحمته. ففي هذا الاعتراف نجد القوة لنحتضن ما يأتي، ونعيش بسلام مع التغيرات التي تمر علينا في رحلتنا الفريدة في هذا الكون المذهل.
فحتى نحن لا ننمو بالقوة والعجلة، بل كلنا ننمو مع بعض من الوقت والصبر وشيء من المحبة والرغبة وهذا التفكير يعيننا على النظر إلى الحياة بعيون أكثر نضجاً وصبراً. وهي أيضاً ما تساعدنا على النظر إلى القدرة على تجاوز الصعوبات والارتقاء بنا نحو النمو الشخصي والروحي.
 0  0  13.2K