المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

تقبل الآخرين كما هم

يتساءل الإنسان غالباً عن الطريقة التي يجب أن يتعامل بها مع الآخرين، ويتردد بين رغبته الداخلية في تغيير الآخرين ليصبحوا كما يرغب، وبين الحاجة الملحة لقبولهم بما هم عليه بلا شروط أو قيود يضعها كي يتقبلهم.
لكن في الواقع إن القبول... ذاك الشعور الراقي، يكمن في الاحتفاء بالآخرين بصورتهم الحقيقية دون أي محاولة لتشكيلهم بما نحن نريد، وكما هم بلا شروط، وهو أيضاً المقاومة لرغباتنا الداخلية في تغييرهم ليصبحوا كما نرغب ونريد، وأن نتعايش معهم دون أن نفتح لهم نوافذ الحياة ليظهروا أفضل مما لديهم... والذي بالمناسبة في الاغلب يكون ظاهرياً فقط لأنهم مجبورين على ذلك كطريقة لاستمرار العلاقات. والقبول أيضاً هو أن نفتح أبواب قلوبنا لدخول الآخرين بكل ما يحملونه من علل ومزايا. وفي كل الأحوال علينا تقبل حالاتهم وقدراتهم.
والقبول لمن حولك دون قيود واشتراطات ليس مجرد تلطيف للعلاقات، بل هو أساس الاحترام والتسامح والتفاهم. وهو أحد أهم ركائز بناء علاقات صحية ومجتمعات مترابطة. إنه تجسيد لروح الانفتاح والتسامح التي تعكس نضوج الفرد واحترامه للتنوع البشري.
فعندما نعتمد القبول كمفهوم أساسي في تعاملاتنا، نتحدى الانغلاق والتحيز، ونبني جسوراً من التفاهم والتعايش، وبه نشير إلى العمق الإنساني الذي يُبنى في الأساس على حبنا الغير مشروط.
فتقبل الناس على ما هم عليه واسمح لهم بأن يكونوا أنفسهم. ولا تصر على أن يتحولون ليصبحوا مثالاً للكمال قبل أن تحبهم، لأن ذلك الكمال ليس من صفات البشرية من الأساس. لكن ما اعلمه تمام العلم هو أننا إذا رغبنا في أن يصبح الآخرون مثلنا، فإننا سنفقدهم إلى الأبد.
فحب اخوتك وأصدقائك ومن حولك وأحترمهم كما هم ومثلما خلقهم الله دون سعي إلى تغييرهم بالقوة ليصبحوا كما تبغى. و كرس سعيك دائما لكي تعزز الثقة في نفسك وفي رعيتك وتعزز نقاط التواصل والتعايش الإيجابي معهم، متجاهلاً العيوب والنقاط التي قد نختلف عليها. واجعلهم يكتشفوا مكامن قوتهم وسط هذا العالم. وساعدهم في استخراج كنوزه الدفينة بأنفسهم. أخبرهم عن قوة التسامح وقدرتها على جعل حياتهم أروع وأجمل. وأحكي لهم عن كنز القناعة وكيف أنها أغنى من كنوز الأرض قاطبة. وامنحهم الحق في الكيان الذاتي والتعبير الفردي. واجعلهم على علم بأن تقبل الآخرين يعني أننا نُظهِر الاحترام تجاه أفكارهم ومعتقداتهم، وندرك أن كُل منا يحمل قصصاً وتجارب واهتمامات مختلفة.
فلقد خُلقنا مختلفين بأشكالنا وألواننا وقدرتنا على التفكير والعمل، فلماذا نجبر الآخرين على أن يكونوا مثلنا؟؟ فإذا حاولت أن تتأمل عميقاً فيهم فستجد أن في داخل كل إنسان ملاكا وشيطانا يتصارعان فتارة ينجح الملاك في دفع ذلك الإنسان نحو البر والخير، وتارة أخرى ينجح الشيطان في قيادته نحو الشر والأنانية. ولذلك ضع في قرارة نفسك أنك يجب أن تتقبلهم كما هم.
ولا تشغل نفسك في تغيير الآخرين وتغيير طباعهم. عش مع الناس من حولك وتقبل حالاتهم حتى ولو لم يعجبك بعضا منها وإلا سيضيع العمر وانت مهموم بهم لأنهم ليسوا مثلك. ويجب الاعتراف بأن الله قد خلقنا مختلفين لحكمة عظيمة وأن الحياة تتكامل وتصبح أجمل عندما نكون كذلك.
يقول برتراند راسل "الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء التي ارتكبها غيرنا في حقنا"
فتقبل الآخرين كما هم أو أبتعد دون أذى... فلا يمكن أن يكون الجميع كما تريد وكما تحب وكما ترى وكما تعتقد ويحبون ما تحب ويكرهون ما تكره.
 0  0  5.8K