المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

كلنا راحلون

الحياة رحلة سفر قصيرة... رحلة مؤقتة نعيشها في هذه الدنيا، والرحيل واقعاً لا مفر منه وجزءً لا يتجزأ من تلك الرحلة. فمهما كانت السنوات التي نقضيها في هذا العالم، نصبح جميعاً رحلة عابرة في محطات الزمن، وإضافة جديدة إلى كتاب الحياة الذي سنُغادره يوماً. فبغض النظر عن الفترة التي سنظل فيها على الأرض أو مدى طول عمرنا أو مكاننا في هذا الكون، فإن الوقت لا ينتظر أحداً، وكلنا متجهون نحو الرحيل النهائي لا محالة، وهذه هي الحقيقة المؤلمة وهذا ما علينا إدراكه والعيش وفقاً له.
فعندما نتأمل في أعمارنا في هذه الحياة، نجد قطار الزمن يمضي سريعاً وينقضي العمر بسرعة هائلة. وفي حين ذلك نشعر غالباً بأننا مستمرون لأجل غير مسمى. نغرق في اهتماماتنا اليومية، ونهمل التفكير في الواقع الحقيقي وننسى تماماً أننا ضيوفٌ مؤقتون في هذا العالم.
فلكل واحد منا موعد مع الرحيل، ولكن ما يبقى بعد هذا الرحيل هو الأثر الذي نتركه خلفنا... هو تلك البصمة التي نتركها في قلوب الآخرين، وتترك أثراً عميقاً في النفوس لا يمحوه الزمن ولا يقوى على تغييره.
فعند تقديم العطاء والمحبة والإحسان نُصبح منبع من منابع الصدق في تعاملنا وأفعالنا، وبذلك نحن نبني جسوراً من الأمل والعطاء تتجاوز الحدود الزمانية. تلك الأمور الصغيرة هي ما يحمله الآخرون معهم في خانات الذكريات والمشاعر في عقولهم وقلوبهم. فنحن البشر شهود الله في هذه الأرض ونحن لسنا هنا على هذه الأرض لنمتلكها، بل لنعيش فيها بطريقة تخلِّد ذكرانا بالخير والجمال... نحن هنا لنصنع فارقاً ونرسم بسمة على وجوه الآخرين ونكون لهم داعماً في الأوقات الصعبة.
إن التفكير في الرحيل والبعد عن التعامل في الحياة وكأننا مخلدون يساعدنا على توجيه اهتماماتنا واختيار أولوياتنا بحكمة أكبر. فعندما ندرك أن الدنيا هي مجرد تجربة عابرة، نصبح أكثر قدرة على تجنب الأشياء السطحية والتركيز على الأمور التي تأتي بالسعادة والراحة الحقيقية.
لذا، فالإدراك لمحدودية عمرنا في هذه الدنيا، وأننا لن يكون لدينا الوقت الكافي لترك أثر يدوم ليعبّر عن قيمتنا وأهدافنا الحقيقية لازم وضروري لإصلاح ذات بيننا، والارتقاء بأنفسنا من مجرد وجود مطلق لوجود نافع وذات قيمة ومعنى. لذا فالعمل على ترك أثر إيجابي في حياة الآخرين وتحقيق ما نرغب فيه خطوة ضرورية ولازمة، قبل أن يحين موعد الرحيل النهائي بلا سابق إنظار.
ربما الآن تسأل نفسك، لماذا نفكر في الرحيل وننغمس في هذا الأمر؟ والسبب بسيط: وهو أن الوعي بالموت والرحيل يمنحنا فرصة قيمة جداً لتقدير الحياة والاستفادة منها بشكل أفضل. فعندما ندرك أن كل لحظة تمر تساوي لحظة أقل بأعمارنا في هذه الحياة، فإننا نبدأ في التقدير لما نملك، ونعيش بوجدان أكثر حساسية ورقة.
وفي الختام، فإن التذكير الدائم لذواتنا بأننا جميعاً راحلون يأخذنا في رحلة داخل أعماق أنفسنا، حيث ندرك قيمة الحياة وجمالها. ويجعلنا لا نضيع أوقاتنا في الأشياء الباطلة ولا نستهين بقيمتها. فاستثمر تلك الرحلة القصيرة فيما يهمك وفيما يسعدك ويسعد الآخرين. فنحن جميعاً راحلون، فلنجعل لرحيلنا معنى وقصة وعبرة تستحق روايتها وتستحق أن تصبح بداية لأثر خالد ومستمر في نفوس من حولنا.
 0  0  14.1K