المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 3 مايو 2024
طارق محمود نواب _ مكة
طارق محمود نواب _ مكة

نقطة التحول

ان نقطة التحول هي اللحظة التي تتحول فيها أي فكرة إلى أن تكون أشبه بكونها وباء اجتماعي أو فكري ينتشر ضمن مجموعة من الناس كما تنتشر النار في الهشيم وإذا قارنا هذا المفهوم بطريقة انتشار الأوبئة نجد أن أنواع الإنفلونزا الجديدة مثلا قد تبدأ بالانتشار ضمن عدد محدود من السكان في منطقة معينة بمعدلات بطيئة في بداية الأمر ومن ثم يوما بعد يوم يصاب عدد أكبر من الناس حتى نصل إلى تلك اللحظة السحرية التي ترتفع فيها معدلات العدوى بشكل خطير ويصبح هذا المرض المعدي وباء خارجا عن السيطرة في عصرنا الحالي.
وتتمثل معظم أنماط انتشار الأفكار في انتشار الابتكارات التكنولوجية، و من أوائل الأمثلة على ذلك شركة شارب التي أنتجت أول جهاز فاكس يباع بأسعار استهلاكية معقولة وفي عام 1984 باعت شارب نحو 80,000 جهاز فاكس في العام الأول، وبعد ذلك شاهد هذا العدد ارتفاعا مستمرا حتى عام 1987 وعندما وصل الفاكس إلى نقطة التحول وانطلقت أرقام مبيعاته إلى مستويات مهولة في نقطة التحول تلك كان الكثير من الأشخاص يمتلكون جهاز فاكس مما دفع أولئك الذين لا يملكون الجهاز إلى الشعور بحاجة ماسة لركوب الموجة التكنولوجية واقتناء جهاز الفاكس الخاص بهم، فتنتشر الأفكار في المجتمع كما تنتشر الأوبئة إذا اجتازت عتبة نقطة تحول معينة.
ومن أجل تفسير انتشار الأفكار ضمن دائرة اجتماعية تم تصنيف الأشخاص إلى ثلاث فئات الموصلون، البائعون والخبراء، الموصلون هم الأشخاص الذين لديهم شبكة اجتماعية واسعة وغالبا ما يتم نشر الأفكار من قبل أشخاص لديهم العديد من العلاقات الاجتماعية، فالموصلون يجيدون التواصل مع الكثير من الناس على اختلاف ثقافاتهم وخبراتهم ومن أهم ميزات الموصلين أنهم يمتلكون العديد من الروابط الاجتماعية الضعيفة، وبعبارة أخرى فإن تكوين شبكة واسعة من المعارف من مختلف جوانب الحياة المختلفة له قيمة أكبر من تكوين علاقات وثيقة مع عدد محدود من الأصدقاء. لذا فإن أي شخص يرغب في نشر الفكرة عن طريق الدوائر الاجتماعية يجب عليه التركيز على تلك الروابط الاجتماعية التي يمتلكها الموصلون لأنهم هم الذين يمكنهم إنجاح نشر الأوبئة الاجتماعية.
اما النوع الثاني من الناس هم البائعون، هناك بعض الناس الذين يولدون مع صفات تساعدهم على إقناع الآخرين بالأفكار الجديدة، وهم أناس يفكرون بشكل إيجابي ولديهم الكثير من الطاقة والحماس ويختلفون عن الآخرين بشكل ملحوظ في اتصالاتهم الغير لفظية و لهؤلاء البائعين بالفطرة طريقة خاصة للتعبير عن مشاعرهم فالمشاعر معدية ويتعمد البائعون إظهارها بوضوح شديد بحيث يتعاطف الآخرون معهم على الفور ونتيجة لذلك يغيرون سلوكهم حسب رغبة البائع، فكل هذه الميزات تجعل هؤلاء الأشخاص مثاليين لنشر الأفكار والصراعات. فالأفكار تنتشر بسرعة هائلة من خلال الموصلين وهم أشخاص لديهم شبكات اجتماعية واسعة، أما البائعون فهم أصحاب موهبة فطرية للإقناع وبيع الأفكار.
اما النوع الأخير من الأشخاص الذين يلعبون دورا رئيسيا في نشر الأفكار هم الخبراء، وعادة ما يمتاز الخبراء بصفتين مميزتين الأولى أنهم يعرفون الكثير عن العديد من الأشياء والمنتجات المختلفة ويعملون على تحليل واستيعاب المعلومات الجديدة بشكل مستمر. والثانية هي أن لديهم مهارات اجتماعية متميزة ويحرصون باستمرار على نقل معرفتهم وخبراتهم إلى الآخرين،
فالخبراء لا يمتلكون شبكات اجتماعية كبيرة كتلك التي لدى الموصلون ولكن لديهم تأثير كبير على شبكاتهم الاجتماعية الخاصة، وذلك لأن الآخرين يثقون في معلوماتهم وتوصياتهم إذا كان الخبراء واثقين من منتج معين أو خدمة ما، فإنهم يوصون به أصدقائهم ومعارفهم ونتيجة لهذه الثقة غالبا ما يميل أصدقائهم ومعارفهم إلى اتباع تلك التوصيات، وهنا تكمن قوة الخبراء في نشر الأفكار.
وغالبا ما يعود الفضل في انتشار الأفكار والصراعات إلى عدد محدود من الأشخاص فقاعدة 80 20 تصف ظواهر اجتماعية في العديد من المجتمعات حيث يؤثر سلوك 20% من الناس في المجموعة أو المجتمع بشكل كبير على ال80% من النتيجة النهائية.
وعلى سبيل المثال في معظم المجتمعات يقوم 20% من الموظفين بتنفيذ 80% من العمل. ويرتكب 20% من المجرمين 80% من الجرائم و 20% من السائقين يتسببون في 80% من الحوادث. فالموصلون والبائعون والخبراء ثلاث مجموعات رئيسية وأساسية من أجل نشر أي فكرة أو وباء اجتماعي.
ويعتمد انتشار الأوبئة الاجتماعية على الظروف الخارجية إلى حد كبير وقد تكون هذه الظروف الخارجية ذات تفاصيل صغيرة جدا، مثال على ذلك ما حدث في منتصف التسعينيات حيث كانت السلطات في مدينة نيويورك تواجه أزمة ارتفاع معدلات الجريمة بعد تحليل جذري لهذه المشكلة تبين أن أصلها يعود إلى تفاصيل صغيرة بدأت غير ضارة، ففي بداية الأمر اكتشفت السلطات أن رسومات الجدران وعربات المترو المخربة والمتهربين من دفع أجرة عربات المترو كانت كلها تفاصيل صغيرة ترسل إشارات إلى العامة بأن السلطات لا تأبه بالوضع المتدهور للمدينة، وأن أي شخص يستطيع أن يفعل ما يريد دون عقاب من أجل السيطرة على هذا الوباء، بدأت السلطات بالتركيز على هذه التفاصيل الصغيرة.
واهتمت بإزالة الرسومات المسيئة من الجدران، كما أصبح التهرب من الأجرة جريمة يعاقب عليها القانون، ومن خلال هذه الإجراءات أصبح من الواضح للجمهور أن السلوك المتهور لم يعد مقبولا ونتيجة لذلك انخفض معدل الجريمة بسرعة، وفي السنوات التالية استطاعت السلطات عكس التأثير السلبي لهذا الوباء الاجتماعي بفضل تدخلات صغيرة فقط، فالظروف الخارجية لها تأثير كبير على سلوك الناس وقد تكون أصغر التغيرات في الظروف ذات أثر كبير على المجتمع.
 0  0  27.2K