المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

السلم الاجتماعي و المكانة

كل منا يسعى إلى المكانة اللائقة له وفق ما يسطره المجتمع وأعرافه وتقاليده، غير أن هذا السعي غالبا ما يكون محفوفا بالقلق المزمن نحو فقدان هذه المكانة الاجتماعية، وهو ما يحول مساحات كبيرة من حياتنا إلى جحيم
وهناك العديد من الأسباب والعوامل المؤثرة في نظرة المجتمع إلى المكانة والخوف الأبدي للإنسان من أن يهبط إلى درجة أدنى مما يعتبره المجتمع مدعاة للفخر والشرف، فإن قلق السعي إلى المكانة يأتي من الافتقاد للحب.
ومعنى ذلك أن الدافع المهيمن وراء رغبتنا في الارتقاء في السلم الاجتماعي قد لا يكون مرتبطا فقط بما نملكه من أشياء مادية، بل أيضا بما نتطلع إليه من حب الآخرين نتيجة المكانة العالية التي نستحوز عليها؟ فالغطرسة في كثير من الأحيان تكون بسبب رفقتنا للمتغطرسين أومعرفتنا لهم ولقاؤنا بهم وهي السبب في إثارة غضبنا و توترنا لأننا معهم نشعر بمقدار ضعف حالتنا أمامهم وهذا يزيد من مقدار سعينا إلى أن نكون مثلهم وأن نتشبه بسلوكياتهم و نمارس بعضا من سلوكياتهم الممزوجة بالتسلط والغطرسة.
فالتطلع يشعر الإنسان بالمكانة، و كلما زاد تطلعه إلى تحقيق أشياء يسعى إلى تحقيقها زادت قدرته على تحقيق الأهداف المنشودة، وليس التطلع في نهاية المطاف سوى ذلك الشعور بالرغبة في النجاح في كل مساعي الحياة، فتقديرنا للذات يعتمد على ما نستطيع تحقيقه، فكلما زادت تطلعاتنا يتبع ذلك شعور بالمهانة والمهانة خاصة في حالة الإخفاق.
كما أن فكرة ان يحتل المرء سلم الترتيب الاجتماعي أمر مرعب من الناحية الاجتماعية والنفسية على الكثير منا فمثلا تعاملنا مع الفقر لا يكون على قدر المساواة. ولذلك يكون تأثير الفقر على تقدير الإنسان لذاته يتوقف بدرجة كبيرة على نظرة المجتمع للفقير وأسباب فقره، فإن قلقنا من المكانة الاجتماعية نابع من مجموعة من الأسباب توجه نظرة المجتمع إليها.
فمثله مثل مجموعة من الفلاسفة المعاصرين حيث يرى دو بوتون أن إشكالية المكانة الاجتماعية ونظرة الناس إليها يمكن أن تتبدد من خلال دور الفلسفة في تقديم الحل النظري لهذه الإشكالية وتصويب نظرة الإنسان إلى نفسه باعتباره أحد تجليات هذا النظام الكوني البديع كما اعترفت به الفلسفة الرواقية ولكي لا نسقط في شعورنا المزمن بانحدار مكانتنا الاجتماعية وإحساسنا بالدونية وعدم الفعالية، فلا بد من الانتباه إلى أن نخرج من سجن الآخرين، فالآخر هو الجحيم الذي نعيشه كل لحظة وحين، وأن نتخلى عن بعض هواجسنا اتجاهه فنسعى إلى إرضائه أو البعد عن سخطه.
فصحيح أننا نعيش مع الآخر ونتفاعل معه، لهذا يمكن أن نقول بأن هناك من يقول بأن استحسان الآخرين لأفعالنا وأقوالنا يعتبر ذلك من الامور المهمة لنا من ناحيتين مختلفتين لأن إهمال المجتمع لنا يمكنه أن يجلب معه المشاق المادية والجسدية، ونفسيا لأنه ثبت أن من المستحيل أن نحتفظ بتقديرنا لذاتنا إذا توقف الآخرون عن إعطائنا علامات الاحترام.
لهذا فنصيحة الفلاسفة لنا هي أن نتبع العلامات الداخلية لوعينا وضمائرنا، ونتوقف عن الإشارات الخارجية للاستحسان أو الاستهجان، كما أن الفلسفة يمكنها أن تبدد القلق الوجودي من الانحدار الاجتماعي إذا توقف الإنسان عن إرضاء الآخرين. لكن بماذا ينفعنا الفن؟ فهذا سؤال تم طرحه بصيغ متعددة وفي أزمنة مختلفة، ومن طرحه غالبا ما كان من المستهزئين بقيمة الفن ومكانته وقدرته على تهذيب الأذواق وإصلاح الحس الجمالي للمجتمعات، وكل هؤلاء المستهزئين كانوا في كل مرة يحاولون أن يبحثوا عن مبررات يسوقونها ويعتبرونها كافية لإسقاط هذا الدور المنتظر.
لكن ما يهم أكثر في هذا السياق هو أن الإنسان ظاهرة مركبة ومعقدة، ولا يجب التعامل معها فقط في بعدها الأحادي، لأن الحياة ظاهرة تحتاج إلى النقد، ولأن البشر كائنات هشة على المستوى النفسي و معرضة للمخاطر والمخاوف والقلق الوجودي، فإن من شأن الفن أن يكون المنقذ في زمن لم يعد هناك من منقذ بعد أن اختفت كل مظاهر الإنسان من عالمنا المعاصر.
كما إن كل أشكال الفن من أدب وسينما وموسيقى تستطيع أن تكون وسيلة تفسر لنا وضعنا الإنساني بحيلها وطرقها الخفية وعبر الميل إلى الخفة أو الرزانة، وقد تكون كذلك دليلا نحو فهم العالم المعاصر بصورة تكون أشد وضوحا وأصدق دلالة.
فكل مجتمع ينتقي مجموعة من الناس فيضعها على رأس الترتيب الاجتماعي ويصنع منها أساطير للنجاح والتفوق، فيما يختار أيضا نماذج أخرى في جعل منها صورته على الانحدار الاجتماعي والمكانة المتدنية في المجتمع.
وهذه المعايير التي يصنعها المجتمع قد تكون على أساس صورة الشخص أو طريقة كلامه ونطقه أو بسبب كفاءته أو مزاجيته أو لون بشرته، لكن أهم ما في هذه المعايير هو الاختلاف بين مجتمع وآخر مما يجعلها معايير اعتباطية وغير موضوعية لقياس الفشل والنجاح في الخصال والقدرات المرادفة، فالمكانة الاجتماعية لا تبقى ثابتة مع تغير الأماكن والعصور، بل تصبح هي نفسها منفرة وغير مرغوبة في أماكن وحقب أخرى.
فمثلا في المجتمع الإسبرطي القديم كان الناس الأكثر حظوة بالاحترام والتقدير هم الرجال الأقوياء أصحاب العضلات والأجسام القوية، أما في أوروبا الغربية في القرن الحادي عشر الميلادي فكان الناس الأكثر احتراما هم من اتبعوا تعاليم المسيح وانقادوا لتعاليمه، أما في إنجلترا في القرن التاسع عشر فقد أصبح إتقان الرقص مدعاة للاحترام والتقدير. فهنالك هناك اختلاف كبير في معايير النجاح والتقدير.
 0  0  39.3K