المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

الفلسفة بين الحقيقة والخيال

علم الفلسفة يعد من اقدم العلوم الانسانية، ولكن رغم ذلك قد يعتقد الكثير منا أنه علم معقد يدور حول طرح الأسئلة المعقدة عن الحياة ومختلف مفاهيمها الوجودية.
فإن الفلسفة في حقيقة الامر تتعلق بالتمعن في العالم من حولنا وقدرتنا على اتخاذ قرارات حكيمة في مختلف احداث حياتنا اليومية، فالفلسفة كلمة يونانية الاصل من فيلاسوفيا والتي تعني حرفيا حب الحكمة، والحكمة هي مهارة تقييم العالم المعقد وإصدار أحكام سليمة من خلال التفكير.

اي باختصار طرح الاسئلة الصحيحة في المواقف المختلفة، فاتخاذ القرارات الحكيمة في حياتك اليومية بحد ذاته صورة من صور الفلسفة، فإن أول حدث يحدث في حياتنا اليومية هو الاستيقاظ من النوم وعلى الرغم من اننا نقوم بذلك كل يوم فإن الاستيقاظ يمكن ان يكون بمثابة صدمة كبيرة لنا، ذلك لأنه في اللحظات التي سبقت الاستيقاظ فإنك لا تدرك حقيقة إننا على وشك الاستيقاظ، ولقد ناقش علماء الفلسفة موضوع الوعي والنوم مرارا وتكرارا وكيف يمكنك ان تكون متأكدا من انك مستيقظ كيف يمكنك ان تعرف انك لا تحلم بكونك مستيقظا كيف تعرف ان كل شيء من حولك ليس مجرد وهم او حلم، ففي ثلاثينيات القرن الماضي بدا الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت بالإجابة على هذه الأسئلة حيث توصل إلى المفهوم الأساسي وهو بانه يمكن ان يشك في كل شيء باستثناء حقيقة ان يشك في ذلك،

وبما ان الشك يعني التفكير فقد ادرك ديكارت انه يفكر، وبما ان التفكير كان يعني الحياة فقد عرف انه كان يعيش منها خلص ديكارت الى جملته الشهيرة "انا أفكر إذا أنا موجود"، وهذا هو السبب في أن الاستيقاظ كل صباح يعد مفهوما فلسفيا بحد ذاته، فالفلسفة تعني اتخاذ قرارات حكيمة في عالم معقد ويمكن ان ندركها في مختلف احداث حياتنا اليومية منذ الاستيقاظ صباحا وحتى النوم بعد ان تستيقظ وانت تصل الى حالة الوعي في الصباح فإنك تبدأ عادة في تأدية سلسلة من طقوس الصباح، الاستحمام، الحلاقة، تبديل الملابس، الصلاة، تناول الإفطار، ثم الاندفاع في طريقك الى العمل وكما هو الحال دائما فان الاستعداد للمغادرة للعمل يعد اكثر تعقيدا مما نتخيل، وفي بداية القرن العشرين اندمج سيجموند فرويد عالم الأعصاب النمساوي الشهير في مجال التحليل النفسي المتطور وهي وسيلة لدراسة العقل اللاواعي وحسب ما توصل له فرويد فإن عقولنا تحتوي على قوتين مختلفتين تتصارعان باستمرار ضد بعضهم البعض ألا وهي قوة "الأنا Ego" و "قوة الأنا العليا SuperEgo" قوة الأنا تشكل الجزء الذي يهدف بشكل اساسي الى العيش براحة ضمن روتين رتيب دون إجهاد او مفاجآت، أما قوة الأنا العليا من ناحية اخرى فهي تهدف الى تحليل ما يتطلبه العالم الخارجي منا، تجبرنا الأنا العليا على الظهور بمظهر لائق على الدوام من خلال التزين، الاستحمام، استخدام العطور، التحدث بأدب، ارتداء الملابس المناسبة، واتباع القواعد والعادات المناسبة للمجتمع، كما يعد الاستعداد لمغادرة المنزل في الصباح دائما نقطة التحول في صراع الأنا والأنا العليا، وخلال ذلك الوقت نحن نستعد للتخلي عن الهدوء والأفكار الروتينية للأنا للتكيف مع المتطلبات الخارجية التي يفرضها علينا المجتمع وتجبرنا الأنا العليا على تنفيذها، وغالبا ما يتطلب منك العالم الخارجي ان تتخلى عن راحتك و روتينك ويقدم لك مفاجآت ويفرض قواعد على سلوكك ومظهرك، فالروتين الصباحي هو منافسة شرسة بين الأنا والأنا العليا، ففي صبيحة كل يوم ينتقل المليارات من البشر حول العالم في إنسجام يشبه القطيع في طريقهم نحو المكاتب وميادين العمل ويقضون بقية يومهم في الكدح على هذه المكاتب حتى نهاية ساعات العمل، وإذا كنت تستقل القطار او تقود سيارتك في الطريق الى العمل انظر الى اليمين واليسار تجد نفسك محاطا برفاقك من الموظفين. وهذه هي اللحظات المثالية للنظر في أفكار الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة، فكثير من القراء يسألوا أنفسهم ماذا لو كان علينا أن نعيش هذه الحياة مرة أخرى؟ هل سأكون قادرا على تحملها بهذه الطريقة؟ يقول نيتشة بأن كل إنسان يعيش في عالمين بمعنى إنه بالإضافة الى الواقع الذي نعيشه فإننا نبتكر عالما خياليا مليئا بكل ما نتمنى الوصول إليه في حياتنا، فنحن نبتكر هذا العالم للهروب من هموم حياتنا الحقيقية وفي حين أن هذه التخيلات هي مجرد اسلوب للمواساة الذاتية فإنها تعد من صور الضعف الذهني حسب كتابات نيتشة، و بالتالي يصف نيتشة قطيع البشر بانه يسير في انسجام تام شبه مهلوس ويعتقد بأن الطريقة الوحيدة للهروب من القطيع هو التخلي عن هذا العالم الخيالي تماما، وعندها يمكننا ان نتحكم في حياتنا من خلال العيش في كل لحظة ورؤية العالم على ما هو عليه.
 0  0  13.8K