المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 28 أبريل 2024
طارق محمود نواب _ مكة
طارق محمود نواب _ مكة

فن العيش الحكيم

هل بمقدور الفلسفة ان تقدم اجابات مرضيه عن فن العيش الكريم وحتى نجيب عن هذه الاسئلة فإننا نعتبر انفسنا امتدادا للفلسفة اليونانية القديمة خاصة في شقها الابيقوري، والرواقي الذي كان يسعى جاهدا الى مساعدة الناس عبر التأمل والتفكر الى الحفاظ على الحياة الآمنة والطيبة والتقليل من مخاوف الناس وهواجسهم خاصة تلك المتعلقة بالخوف من الموت والاقدار والاخطار المحدقة بالإنسان وخطورة الانسياق مع احكام الناس وجحيمهم الذي لا ينتهي.

فقد قسم ارسطو الخيرات في حياة الانسان الى ثلاثة انواع خيرات مادية، وخيرات معنوية، وخيرات بدنية، وهذا يدل على ان حياة الانسان محكومة بثلاثة شروط، الكينونة وهي ما نحن عليه ولها صلة بشخصية الإنسان، الحيازة وهي ما نملكه من اشياء، المتمثلات وهي ما نمثله في اعين الآخرين وموازينهم،

فإن ما يجعل الانسان في هذه الحياة سعيدا هو الاشياء التي يشعر بها في داخله وما يعتمل في قرارات نفسه لان داخل اعماق نفسه تتحدد نظراته لذاته وتتحدد علاقته بالأشياء المحيطة به سواء كانت موجودات مادية أو كان باقي الناس الذين يقاسموا معهم هذه الحياة، حيث ان هذا المعطى الأساسي هو الذي يجعل الناس يتأثرون تأثيرات متباينة من الظروف المحيطة فما يجعل انسانا معينا سعيدا قد لا يجعل بالضرورة انسانا اخر يشعر نفس الشعور وكذلك ما يحزن انسانا معينا قد لا يعيره اخر اي اهتمام وهذا السبب عائد بالأساس الى ان كل فرد هو نتاج مباشر لمدركاته واحاسيسه وحركاته الارادية، فعلى سبيل المثال في خشبة المسرح قد يتقمص الممثل كل الشخصيات غير ان هذا التقمص يكون فقط في المظهر الخارجي، اما الجوهر الداخلي فيظل ثابتا لأنه نواة كل شخص. فجوهر الانسان يظل ثابتا وهو الذي يؤثر في علاقته بالأشياء والأشخاص المحيطين به.
فيما سبق تم الإشارة إلى أن ماهية الشخص وجوهره الثابت يساهم بشكل كبير في سعادته او تعاسته اذا ما قارن نفسه بالآخرين، اي ان سعادة الانسان كاملة بشكل كبير في كينونته اي أعماق نفسه،
فمثلا اذا كان طبع الانسان رديئا فلن تنفع معه كل متع الدنيا، لهذا مهما كان حظ الانسان حظا سعيدا او غير ذلك فهذا لن يؤثر في رضاه إلا في حالات معينه لأن اهم شيء هو كيف يتفاعل الإنسان مع هذه الاشياء، فالعامل الاساسي الذي يحدد سعادتنا من غيرها هما يكون داخل نفوسنا ويساهم بشكل كبير في صياغة علاقتنا بالأشياء، اما كل العوامل الأخرى فهي عوامل ثانوية في تحديد سعادة الإنسان، ولهذا هناك مثل يقول الطبع يغلب التطبع وكي نطور كينونتنا او ما تختزنه نفوسنا وجب علينا ان نميل الى الدعابة لأن لها تأثيرا مباشرا على تحقيق سعادتنا، إذ أن الدعابة سبب كاف لتحقيق كثير من الفرح الداخلي.

فكلما حل الفرح يجب ان اقابله بالترحاب والاستقبال الحسن وبدل التردد في استقباله علينا الاحتفاء بمقدمه لأنه هو الاقدر على منحنا جرعات من السعادة من الصعب أن نجدها في عالمنا المعاصر، إذ يمكننا ان نخلص إلى أن السعادة ليست لائحة ممتلكات، فيلات، أو سيارات كما يتوهم البعض، بل إنه هذا الثراء الداخلي ثراء العقل والروح الذي بقدر ما يرفع صاحبه ويفرحه بقدر ما يبعده عن الملل ومسبباته فجوهره الثابت يساهم بشكل كبير في سعادته او تعاسته، حيث قسم ابيقور وهو من كبار الفلاسفة اليونانيين الحاجة الانسانية الى ثلاثة اقسام اساسية الحاجات الطبيعية والضرورية ومنها الغذاء والكساء، الحاجات الطبيعية الغير ضرورية وتشمل الحاجات الكمالية الغير مهمة لبقاء الإنسان،

الحاجة غير الطبيعية وغير الضرورية وتشمل الحاجة إلى الطرف والبذخ والإحساس بالعظمة، و ما يجب ان نشير إليه في هذا الصدد هو ان هناك تفاوتا كبيرا بين الناس في درجات الرضا عما يملكونها لان الملكية من عدمها لا تقاس بمقادير نسبية تتحدد من خلال العلاقة الموجودة بين الأمان والثروة، فمثلا الثروة والخيرات التي لم يحدث الشخص نفسه بها ولا تمناها في قرارات نفسه لن يشعر بحرمانه منها، بل يشعر بالرضا الكامل في حالة غيابها عنه اما غيره ممن يمتلكون هذه الخيرات فسيشعرون بالحرمان في حالة انعدامها او نقصانها لهذا فالمجهود الذي يبذله الإنسان ليرفع من سقف تطلعاته وامانيه وتوقعاته هو مصدر كل السخط الذي يشعر به،

فإن تفاوت الناس في درجات الرضا عما يملكونه هو سبب سعادتهم او تعاستهم كل مشاكلنا النفسية ومصائبنا الداخلية التي تصيبنا بالهشاشة وعدم القدرة على مواصلة الطريق تنبع من اننا سجناء لآراء الآخرين فينا .

ومن الأمور التي ينبغي الانتباه اليها بشكل كبير هي انه ينبغي ان يكون اهتمامنا بأحكام الآخرين علينا اهتماما ضعيفا اذا ما أردنا ان نحافظ على سلامتنا النفسية والمشكلة انه بالرغم من ان الإنسان يدرك بأن الاهتمام بأحكام الآخرين له انعكاسات سلبية إلا أنه يستسهله دون إدراك خطورته وصعوباته فمثلا يمكننا تشبيه الانسان بالقطط فهي تشرع بالمواء حينما يمسح الإنسان على ظهرها، فكذلك الشخص الممدوح تعلوه نشوة رقيقة خاصة إذا ركز المديح على طموحاته وتطلعاته ولكي نخرج من ضيق احكام الاخرين سلبا او ايجابا فلابد من تقييم ما نحن عليه بالفعل من خلال المواظبة على مقارنته مع ما نمثله في اعين الآخرين وفي مطلق الاحوال ان يفشل الانسان في تحقيق رضاه الداخلي ووجوده الروحي ويبحث عنه لدى الاخرين لهو البؤس الشديد، فهو يبدل وقائعه بالخيال والحقائق بالتهيئات والأوهام، لذلك فادراك الإنسان لهذه الحقيقة البسيطة في الوقت المناسب من شأنه ان يحقق له الخير الكثير والنفع الوفير ويجلب له كل مسببات السعادة الأبدية، فخفض درجة اهتمامنا بأحكام الآخرين علينا من شأنه ان يحافظ على سلامتنا النفسية.
 0  0  12.2K