المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 28 أبريل 2024
طارق محمود نواب _ مكة
طارق محمود نواب _ مكة

العقلية المتحجرة

في عالمنا هذا، هناك من الأشخاص من تتكيف عقليته، وهناك من تتحجر عقليته في التصدي لمجريات الحياة، فمهما حاول البعض إقناعه أو تنبيهه يجد ذلك المتحجر صعوبة بالغة في تقبله للتغيير، فهو عقل صلب أشبه بل أقرب للحجر.
في السابق كان يمدح في القائد الصلب، والمقدام، الذي لا يتراجع مهما حدث حتى ولو كان هناك شك في قراره، حفاظا على "ماء وجهه"، ونشرا لنفوذه وقوته في القرون السالفة.
ومع التطور الذي تشهده المجتمعات في يومنا هذا، وتحضر الممارسات، والتوسع في رقعة الأعمال، وتعدد تخصصات البشر، صار القائد المندفع، الذي يضرب بكل ذلك في عرض الحائط، محل نقد ونفور، فنحن نعيش في زمن لم يعد يمتلك فيه المسؤول كل المعلومات ولا كل الحقائق.
فقد كبرت المؤسسات، وأصبح هناك من يقود آلاف مقارنة ببدائيات فجر التاريخ، حينما كان البشر عددا محدوداً جداً في المتاجر والمعامل الصغيرة، أما الآن فنسمع هدير آلاف المصانع في أكثر من رقعة جغرافية، لتنتج ملايين القطع، تلبي بها حاجة السوق، واختلفت التخصصات، وتعمقت مثل التسويق، والتواصل، والمحاسبة، والتمويل، والاحترافية في التعامل مع الأزمات، كلها جعلت فكرة التحجر أو تجاهل الآخرين مسألة محفوفة بالمخاطر.
ولهذا، لا بد من التكيف بين المسؤولين ومتخذي القرار مع تغيرات المشهد المحيط بهم، لا سيما أن المرونة والانفتاح خصال ممدوحة عند مقارنتها بالصرامة التقليدية للقائد، فالعين الحمراء أو الشدة والصرامة ليس هو ما يحتاج إليه المسؤول في عصرنا هذا للدفع بعجلة التقدم، بل صار بحاجة إلى إرهاف السمع، والتدبر في كل ما يجري من حوله، تفادياً للأخطاء غير المتوقعة.
وربما تعود أسباب تشبث البعض بهذه العقلية المتحجرة إلى نشأته، فهو لم يتعود على سماع الآراء في منزله، ولا في بيئة عمله. فهناك دائماً شخص أوحد يُحسب النقاش لصالحه، فترعرع منذ البداية على ذلك الأسلوب، ونحن في الواقع نتبع التجارب السابقة في سلوكياتنا، ولهذا فريق التوظيف أو متخذو القرار يفكر أكثر من مرة عند تعيين شخص قادم من بيئة روتينية أو لا تتلاءم مع طبيعة العمل المتقدم له.
وهناك ايضا من يجد أريحية في التشبث بأفكاره أو آرائه، لأنه يرى في التغيير محاولة للخروج من منطقة الراحة، غير أن في الخروج من منطقة الراحة فرصة كبيرة لعديد من الاكتشافات الجديدة، والتجارب المختلفة، وربما كانت فرصة للتقليل من التكلفة ورفع الجودة، بدلاً من التعلق بمؤسسات أو أفراد كل مؤهلاتهم أن علاقتنا بهم قديمة!
وهناك أنواع من التحجر، فهناك من تحجر قلبه، فصار يأكل ويئد مواهب ذاك من دون أدنى اكتراث لسلوكه وعواقبه، وهناك تحجر يظل أثره حتى ولو غادر ذلك المتحجر عمله، مثلما يحدث في علم طبيعة الأرض عندما تتحجر الصخور الرسوبية Lithification، ويبقى أثرها صلدا شاهدا على رفضها التكيف مع متغيرات الحياة.
وهذا مثال حي على بقايا عقلية القائد المتحجر، وهم أولئك الذين أمضوا معه سنوات عديدة، بالعقلية نفسها حتى غادرهم، ولم يفيقوا من غفلتهم إلا بعدما واجهوا إدارة جديدة أو روحاً شبابية لم تعد تتحمل ذلك التحجر.
هنا يدخل هؤلاء في مفترق طرق إما أن يستمروا ليطيلوا أمد المواجهة والألم وإما يتكيفوا مع متغيرات هذا الواقع.
والتغير لا يعني التنازل عن القيم الحاكمة أو الكبرى مثل الصدق والأمانة والنزاهة، فهذه وغيرها هي الأساس في كيان المرء والحفاظ عليه من الأهواء ونوازع الشر، لكننا هنا نقصد المرونة، التي تتقبل الجديد، وتسايره، وتحاول أن تتفوق على المحيطين به، ليبقى المرء دوماً في دائرة التنافس.
فقد أصبحنا في عصر، لم تعد المهارة الواحدة كافية فيه، بل لا بد من وجود عديد من المهارات، يضمن بها الإنسان بقاءه في ميادين التنافس الشريف، وكما قيل: «لا تكن لينا فتعصر ولا صلبا فتكسر».
 0  0  5.3K