"جَبا، يا هووا"!(من فُلكلور مكة و ما حَوْلها)
(جَبا)، كلمةٌ أُشتهِرت في حارات و اسواق مكةالمكرمة و أمثالها، لتعني: التحية مع تقديم الدعوة من جالسٍ الى عابرٍ.. إلى جلسة فيها طعام أو شراب؛ فهي توازي لفظة 'تَفَضّل'. و 'حَيّاك!'.
و أحياناً تحملُ مآربَ أُخرى، خاصةً حين تُلحقُ لفظةُ 'جَبا' بلفظة "يا هووا"(!)
و كلمة "جَبا" من الكلمات المشهورة المتداولة، و تحمل تحيةَ عتاب الجالسِ لصديق عابر، خاصة اذا غَفَل عن أن يُلقي التحية أثناءَ مروره(!)
و لقد قام الفنان المرحوم عمر كـَدَرْس بتوثيق لفظة "جَبا" في إحدى أغانيه الذائعة الرائعة. و هو الذي ساهم بإشهار اغنيته الخالدة المؤدّاة في جميل التطريب و الإنشاد على نمط الزُّومال:
"يا سارية، خبِّريني؛
عَن ما جرى طمنيني..."
فكان من مقطوعته التي ذاعت في مكةالمكرمة:-
قلت لّو: "جَبا، يا هووا"،
قال لي: تعبان، ما فِيّا!!
و هي التي كان مطلعها:
تَكروني، و أمُّه جَبَرتيَّة#
ما يُردّ السلامْ لِيّا!!
قلت لُّو: (جَبا)، يا هووا#
قال لّي: تعبانْ ما فيّا!
و ذلك في سياق التفاعل الشخصي (الحميمي!)، كما في اغنيته الأخرى، (يا سارية خَبِّريني)، حين قال:
'و (حَبيبي) إيش إللي جَرَى لُه#
إيش إللي شاغلُ (لُه) بالُه؟!'
و لكنَّ لفظة (جَبا) لها أصولها في الفصحى، مثلما في (جباية) الرسوم و الزكاة و المُكوس و الضرائب..حيث 'جَبا/يَجبو' تعني: جَمَعَ و حَصَّل و استوْفَى؛ فهي من (جَباوَة).. (و لو اننا صِرنا ننطقها 'جِباية'.)
و من (الجَبا) ايضاً: الزيادة و العطاء بدون مقابل! ثم كان في قديم اسواق مكةالمكرمة أن ترى لوحةً مُعلقةً على مدخل مطعم أو متجر، تقول:
*'الجَبا مرفوع' (:مُستبعَدٌ عن التداول)؛
*"و الدَّيْن ممنوع"؛
*"و الرزق على الله!"
و لعل مَنعَ (الجَبا) كان لتحاشي المجاملة البَهرَجيّة/الهِياطيّة التي قد يُقدِمُ عليها بعضُ الزبائن، في مطعمٍ مثلاً، فيبادرُ أحدُهم الى إعلان قراره بدفع قيمة غداء الشخصٍ الآخر هناك؛ و قد يَصلُ السِّجالُ الى شِجارٍ و إصرار على 'دفع الحساب،' مع تبادلٍ حادٍ بالأيمانٍ المغلظة و ذروة السفه عندنا: 'عَليَّ الطلاق'؛ و يُصرُّ كلٌ منهما بأن يدفع هو الحساب عن الآخر (=يُجَبيِّ عليه!)، بما يؤدي إلى إحداث فوضى عارمة في المحل، و إزعاجاً بالغاً لبقية المرتادين من الزبائن!
و واضحٌ أيضاً سبَبُ منعِ صاحب المحل البيعَ (بِالدَّينٍ)، فهو مرتبطٌ بدفع القيمة مُؤجلاً.. في وعدٍ قد لا يتحقق!!