المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

الطبقية الفكرية

كما نعلم جميعاً أن المجتمعات تتكون من طبقات مختلفة، ربما هذه هي طبيعة النشأة والتطور التي أصبحت عليها مجتمعاتنا منذ آلاف السنوات، حيث يمكننا استخدام مصطلح الطبقية حتى نشير إلى مجموعة متنوعة من الطبقات المختلفة، ولكنه يستخدم عادة لوصف فئة من الأشخاص المتعلمين ولديهم مستوى عال من رأس المال الثقافي.

ففي كل مجتمع هناك طبقة من الناس هؤلاء الذين يعتبرون جزءاً من الطبقة المثقفة، هؤلاء هم الأشخاص الذين حصلوا على تعليم جامعي والذين يعتمدون على عقولهم بدلاً من أيديهم، هم الأطباء والمحامون والأساتذة والعلماء الذين يشكلون العمود الفقري للاقتصاد.

فغالباً ما يتم تحريض الطبقات المجتمعية ضد بعضهم البعض كما أن هناك توتر كبير بين هذه الطبقات. ورغم محاولات الكثير من المفكرين على مدار السنوات بمعاداة مبدأ الطبقية، ودعوتهم بالمساواة بين كل أفراد الشعب الواحد، إلا أن وجود الطبقية أمر حتمي في المجتمعات البشرية إلى الآن كما لو كان إعلان خفى لانتصار فكر الرأسمالية الغالب بإقرارها. يرى المثقفون أنفسهم على أنهم من يخلقون الوظائف ويحافظون على استمرار الاقتصاد، بينما ترى الطبقة الأخرى أن المثقفين بعيدون عن الواقع لا يفهمون واقع الحياة.

فكثير ما أنكرت توجيه تعاملاتنا بهذا الأساس بل كنت أنكرها في ذاتها فلا معنى لأن تكون طبقتنا هي الأساس الذي نضعه لتصنيف البشر ومع اعتيادي منذ صغر سني على الذهاب الى الندوات والمحاضرات في أماكن مختلفة كنت دائماً ما أرى أنه حتى وإن تواجدت الطبقية كما يراها أو كما يصنعها المجتمع فليس هناك طبقية في الفكر وأن الفكر دائما نحن من يصنعه، فبمجرد التعلم والقراءة فقط يكفي أن يجعلونا طبقة فكرية واحدة نستطيع بها التقبل للآخرين والمراعاة لمساحاتهم، وإذا اضطررنا للطبقية الفكرية ففقط يمكننا تقسيمها الى متعلم وجاهل، إلا أن هذا الرأي لم يستمر كثيرا مع بدء مرحلتي الجامعية.

فمع التطور في حياتي وخصوصاً أعمالي لتشمل بعض من التعايش والاحتكاكات الحياتية لمختلف البيئات من الداخل بدأت رؤيتي تختلف، فقد تأكد لي أنه الطبقية ليست كما يقسمها المجتمع، ولكن الطبقية أكبر من ذلك التقسيم الظاهري بكثير حتى أتعرف بشكل تدريجي على الطبقية الفكرية، فتلك الطبقية التي كنت أظن نشأتها من التعليم حتى تأتي التجربة وتعلمني أن التعليم وحده ليس كافي للتقسيم في الطبقية الفكرية، لكنى كنت ومازلت أرى أنه لا داعي لذلك التقسيم الحاد .

‏ولربما هناك في ذلك بعض الاستثناءات فقط حتى جاءت بعض التجارب الأكثر نضجاً حتى تسمح لي بمعايشة كاملة لبعض الحالات والبيئات التي تختلف بشكل كلي عما كنت أعاصره من قبل، وفي حينها فلقد علمت أن الطبقية الفكرية ليست بدرجة التعليم فقط ولكنها بعوامل كثيرة كدرجة ثقتنا فيما حولنا، ومدى قدرتنا على الفهم أو الإدراك، وما مدى قدرتنا على محاورة الفكر الجمعي، وطرق تفكيرنا وتعاملاتنا في مجتمعاتنا، وكل ذلك يجعل منا طبقات فكرية مختلفة ومتضادة احياناً .

بالإضافة إلى انه يتم استخدام مصطلح الطبقية الفكرية لوصف أولئك الذين يشاركون في التفكير النقدي أو الملاحقات الإبداعية، كما يمكن أن يشمل ذلك الأشخاص الذين يعملون في مجالات مثل الأوساط الأكاديمية أو البحوث.

ومع ذلك، فإن هذا ليس هو الحال دائما، حيث يوجد العديد من الأشخاص المتعلمين ذاتيا والذين يعتبرون أيضا مثقفين، فما يربط هؤلاء الأشخاص معاً ليس تعليمهم أو خلفيتهم، بل طريقة تفكيرهم.

فربما من الأفضل أن نفهم مبكراً تلك الطبقية الفكرية ومظاهرها حتى نملك القدرة على التوصل لبعض الطرق الصحيحة حتى نتعايش مع بيئات فكرية متنوعة إن كنا ننوى الاتساع أكثر في تعاملاتنا، وحتى نتعلم أن التوافق الفكري والذي يعد أحد أهم أنواع التوافقات التي علينا مراعاتها في دوائرنا القريبة وفي حياتنا اليومية.
 1  0  14.0K