المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
د. محمد أبواليزيد أبوالحسن
د. محمد أبواليزيد أبوالحسن

رغم رائحة الدخان

إن الأيام التي تحيط بعالمنا من جهاته الأربع ترمي بأخبار متسارعة ملتهبة، تضيء عند قوم؛ بينما تشعل نارا عند آخرين، ومع هذا الفضاء الضبابي قليلون أولئك الذين يتبينون الطريق ويرشدون الحائرين والعالقين على أسوار الأمم. ومع كثرة تلك الأخبار وفي مجملها تحمل القلق ورائحة الدخان؛ فإن هناك غالبية ليست بالقليلة من الشباب ينتابهم شعور الهارب المتفلت من جماعة اللصوص إلى ضوء نار هناك في الصحراء؛ حتى إذا جاءها وجد صاحبها مقتولا؛ فلا يدري أيرجع لما هو وراءه من السلب والنهب، أم يمكث عند رأس هذا المصروع، أم يفتش عن قاتله خوفا على نفسه، أم يكمل فراره؛ ليقطع صحراء نهايتها عند بداية صحراء أخرى.
هذا الفضاء المتزاحم برائحة الدخان، تتعالى فيه صراخات الكسالى، وتسمع صوت أظفارهم وهي تشق خدودهم ندبا على ما فرطوا في جنب الحقيقة الكونية؛ تلك الحقيقة التي تنص على أن الزمن يدور بأهله دورة الكون بأفلاكه؛ فتارة منها لأعلى وتارة منها لأسفل، أولئك الذين لا يقدرون للأمور قدرها، ولا يحسبون للزمن تقلباته، ولا يستحضرون مشكاة التاريخ؛ لتضيء لهم حاضرهم ومستقبلهم، استسلموا لذلك الدخان؛ فانقلب عليهم انقلاب الصخرة على جماعة النمل.
لكن هناك على الرصيف الآخر، رجال حزم وعزم، يقدرون للأمور قدرها، ويبثون الثقة في أرجائها، ويزرعون في كل قلب غرسًا من الأمل، ويشدون على كل يد تزيح الدخان عن وجه الحاضر والمستقبل؛ لتبدو ملامحه المشرقة على أناملهم، ينقلبون على تلك الأحداث المستعصية رغم قوتها؛ فيطحنون عظامها، ويشربون نخب النصر فوق رفاتها، هؤلاء هم الشباب.
صفحات التاريخ وسطح الجغرافيا كثيرًا ما يحدثان عن عزيمة شباب صنعوا تاريخا ومجدا، وكثيرا ما تغنى الأدب العربي والعالمي بعظمة أولئك الشباب، وكثيرا ما تمنى المتمنون من الشيوخ العودة إلى مرحلة الشباب؛ ليستدركوا ما فات، وهيهات؛ إن مرحلة الشباب هي نقطة التحول في حياة كل شاب، بل في حياة كل أمة؛ ولا شك أن أغلب الأمم والشعوب إن لم تكن جميعها قامت حضاراتها على سواعد الشباب؛ هناك تاريخ موغل في القدم على ضفاف النيل بمصر، وعاد وثمود وغيرهم بجزيرة العرب وبلاد الرافدين واليمن، وغيرهم من اليونان والرومان والصين؛ كل أولئك كان قادتهم شباب، وأركان دولتهم شباب.
ولا شك أنّ الأمم يقاس مدى تقدمها أو تخلفها بتقدم شبابها أو تخلفه، فقل لي من شبابك؟ أقل لك من تكون أمتكم. وهناك أمثلة كثيرة كثيرة على مدار التاريخ الإنساني لشباب صنعوا حضارات منهم المسلم ومنهم غيره؛ لكنهم رغم اختلاف عقيدتهم؛ لكنهم اتفقوا في تلك العزيمة القوية الخلاقة التي هي وقود كل همة وقمة؛ فهناك الاسكندر الأكبر وهنا عبد الرحمن الداخل ومحمد الفاتح وغيرهم كثيرين كانوا مثالا للشباب المتقد عزيمة وسعيًا نحو القمة؛ شباب قوي في عزمه وحزمه وبأسه وفكره، فمع كل الظروف العصيبة لا يتوقف الشباب عن طموحاتهم، ولا عن تحقيق أهدافهم؛ فهذا عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش) فر هاربا من بطش العباسيين يقطع القفار والصحاري حتى وصل إلى الأندلس، وبمفرده أسس دولة من أكبر دول التاريخ الإسلامي له ولأبنائه من بعده.
واليوم تقع المنطقة كلها في شدائد تشبه الليل المظلم بدخانه؛ فتجد بعض الشباب يتكاسلون عن العمل، ويستنفذون قواهم في الحديث والتعليق على الأحداث وكرها وسردها، ثم يقفون مكتوفي الأيدي بلا حراك، وكثيرًا منهم ما يركن إلى الخمول تحت حائط اليأس في تلك الظروف والأمة العربية إلى مثله أحوج، فلا يصح أن يستظل الشباب بظل الكسل ويتحججون بالحجج؛ ليواري كل شاب منهم يأسه أو صورته الباهتة في المجتمع، لكن الجد مع العلم والعزيمة لا يدع مجالا لأي نوع من أنواع الدخان المنتشر في فضاء البشرية، ولا شك أن العلم والعزم والجد كنوز لا يعرفها إلا الشباب الواعي المستنير ، فلا تيأسوا فاليأس كفر؛ لأنه يوقف الإنسان عن العمل والإعمار وهو مخلوق لذلك، بل إن اليأس يوقف الإنسانية ذاتها، ومن يساعد في نشر اليأس أو يروج له؛ فكأنه يقتل الإنسانية التي خلقها الله، فعلى الشباب أن يستمتعوا بشبابهم بخلق مستقبل ذهبي يحكي بلسان بليغ للأجيال القادمة عن رجال مروا من هنا، وكتبوا على جبين الدهر: "رغم رائحة الدخان نحن هنا"، واليوم لهم الخيار؛ فإما أن يزيحوا هذا الدخان عن مستقبلهم، وإما أن يزيدوا في عمقه عمقا بتخاذلهم ويأسهم؛ لذا فاليأس تبًا له.
 0  0  12.3K