المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
د. محمد أبواليزيد أبوالحسن
د. محمد أبواليزيد أبوالحسن

وكذلك ألقى السامري " النظرية السامرية"

هناك من لو أخرجته من قيد الذل والعبودية، أو حاربت لأجل حريته وإنسانيته المسلوبة، أو أضأت له بكل سبيل نورًا، أو شققت له بحرًا للنجاة، أو جمدت له بحرًا ليبقى، أو بلغت من الجهد والأسفار حقبا لتجمع له علما ينفعه، أو أطعمته المن والسلوى؛ بعد ذلك كله تركك وراح يلتمس عجلا من عجول الحياة يبصم له بأصابعه العشرة ساجدا، ويلقي جبهته تحت أظفاره...وكذلك ألقى السامري.
السامري هو أحد رجالات بني إسرائيل الذين عاصروا عصر التذبيح والاستعباد، وبعد أن من الله على بني إسرائيل بإرسال موسى وهارون عاصر عصر الجهاد الدعوي لموسى وهارون مع فرعون وقومه، وعاصر معجزات موسى، وكان شاهد عيان على إيمان السحرة بعد هزيمتهم، وعاين قارون في هلاكه وخسفه بعد جحوده وغطرسته في زينته ومفاتحه، وعند خروج بني إسرائيل من مصر؛ كان واحدا من الذين خرجوا فرارا من فرعون وقومه، وعاصر معجزة فلق البحر، ورغم كل ذلك لم تنبت في قلبه ذرة إيمان حقيقي مع موسى؛ فكان شاهد زور لكل تلك الأحداث؛ لأنه شهدها ولم يشهد لصاحبها، وكان معاصرا لم يعاصر، وكان مهاجرا لم يهاجر؛ كان خروجه قَبَليًا لا عقائديا؛ خرج في من خرج، ولا يزال في الكفر مقيم، شاهد الإيمان أمامه ببصره، لكنه لم يشهد ببصيرته... ترى ما وراء هذا الرجل؟ وما الدافع وراء كل هذا الصد والعناد؟
أما قبل؛ فالسامري كان أحد النحاتين الذين نحتوا الأصنام والتماثيل للفراعنة وكان بارعا في صنعته، وقبل أن يُشرب بنو إسرائيل حب العجل أُشرب السامري حب التماثيل؛ ومن ثم أُشرب حب العجل وصنعته، صادف حب العجل قلبا فارغا من الإيمان فتمكن، وإيلاف المعاصي هوة ـ لعمرك ـ سحيقة.
أما بعد؛ فالسامري أحد أبناء يوسف الصديق بن يعقوب ومِن ذريته، أما موسى وهارون؛ فهم أبناء لاوي بن يعقوب أخو يوسف، وكأن اختلاف الفرع أثمر حقدا، وكأن السامري حين ظهر موسى؛ تخيل نفسه أنه وريث أبيه يوسف في النبوة، وكأنه رأى أنه الأجدر من موسى وهارون، وكأنه زعم أنه ورث علمًا ودينًا عن يوسف، لكنه نبذه وتركه إلى التماثيل والأصنام وكم من شريف ذبح شرفه في طرقات الهوى؛ فهوى، وكذلك سولت له نفسه.
أما أثناء؛ فالسامري استغل غياب موسى، واستغل ضعف موقف هارون، واستغل كثرة أتباعه ونفيره، ومن يؤمنون بفكره المنحرف، استغل كل موقف لصالح هواه ونفسه؛ فقام في أقل من ثلاثين يوما بصناعة عجل ذهبي أدهش بني إسرائيل؛ إلى درجة أنهم أحبوه كحب أبنائهم أو أشد بل أُشربوا حبه في قلوبهم؛ فكانوا لا يلبثون أن يذهبوا من تحت أظفاره حتى يشتاقوا إلى العودة إليه مرة أخرى.
وهكذا القلوب والعقول المنحرفة تدمن الخطأ وتعشقه بل تتنفسه هواء يملأ أركانها الخاوية من أي إيمان، والنفس وعاء إن لم تملأه بالحق؛ أفرغ فيه الشيطان باطله، وذلك في ساعة غياب عقلك أو غياب المصلحين. في وقت قصير تمت صناعة العجل وفي وقت أقصر تم حب العجل حبا لا مثيل له. ومن العجيب أن موسى ظل أكثر من ثلاثين سنة يدعو ويدافع ويطلب الحرية لبني إسرائيل؛ لكن ثلاثين يوما فقط كانت كافية ليسقطوا من فوق قمة الجبل تحت أظفار عجهلم. ليس تقصيرا من موسى أو هارون؛ بل كان إيمان بني إسرائيل في قلوبهم على شفا جرف هار، ما لبث أن غاب موسى فانهار.
وتلك فلسفة السقوط إلى الهاوية، فالسقوط أسرع وأسهل؛ لا سيما إن كان البناء فوق أرض جوفاء؛ لذلك هو ديدن التافهين والتافهات، وكم من أشخاص بيد سامري جديد يزخرفهم ويزينهم تماثيل بأوزار حرام، وكم من التافهين والدهماء يلقون جباههم تحت أظفار هذه العجول والتماثيل المزخرفة؛ وكذلك ألقى السامري.
ومن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا : لماذا اختار السامري عجلا ولم يختر شيئا آخر؟؟
العجل أحد معبودات أمم خاوية خلت، وهو معروف عند الفراعنة ومعروف عند أمم وثنية غيرهم، والسامري على دراية بذلك، ولكي يسارع الوقت قبل عودة موسى، وفي وقت قياسي صنع شيئا هو به خبير؛ صنع عجلا ذهبيا مزخرفا، وهذا العجل الذهبي فتنة مزينة؛ ولا شك أنه كان معه من بني إسرائيل من يعينه من مدرسة العجول التي كان معلمًا فيها.
كل ذلك إحدى ثمرات شجرة الزقوم التي نبتت في قلوب بني إسرائيل وسُقيت بماء الذل تحت أقدام الفراعنة، وأورقت أخلاقا منحرفة وسلوكيات مشينة وعقولا فاسدة تترك المن والسلوى إلى الثوم والعدس والبصل، وتترك موسى وهارون إلى كذاب دجال، وتترك البارئ الرازق الذي نجاهم من فرعون إلى عجل أجوف له خوار، يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير… وكذلك ألقى السامري.

 0  0  11.9K