حضرموت
لن اخوض كثيراً في تاريخ حضرموت من حيث النشأة والتسمية فهذه تحتاج الغوص في أعماق التاريخ ووثائقه ومخطوطاته على مدى الاف السنين،
وقد كان لحضرموت على مدار التاريخ كيانها المستقل وحضورها بدولها وقبائلها فتظهر أحيانا وتخفت احياناً أخرى حسب معطيات القوة أو عدمها،
ومع بزوغ فجر الإسلام كان أبناء حضرموت من السباقين للدخول في دين الله افواجاً وإن حصلت ردّة بسيطة من بعض القبائل بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولكن سرعان ما عادوا الى صوابهم،
وكان رجال حضرموت في مقدمة جيوش الفتح الإسلامي وبرز الكثير منهم في مجالات قيادية كبيرة لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة، وإن خصصت بالذكر الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه قائد الجيش الذي فتح البحرين والصحابي الجليل وائل بن حجر الحضرمي رضي الله عنه والذي فرح الرسول عليه الصلاة والسلام بمقدمه واسلامه،
ولن ننسى جدنا الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه ووقفته مع الامام علي بن ابي طالب سلام الله عليه وأبو موسى وعمار بن ياسر الذي قتلته الفئة الباغية في معركة صفين،
ولن ننسى كذلك القاضي شريح الكندي الذي ولّاه امير المؤمنين عمر بن الخطاب قضاء الكوفة
وكذلك طالب الحق الامام عبد الله بن يحيى الكندي الذي ثار على ظلم بني أميه وعلى إثرها تعرضت حضرموت لحملة إبادة شرسة بقيادة عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي ولكنه لم يهنأ بما حققه بعد أن أرداه رجال حضرموت قتيلا،
ثم تلتها بسنوات حملة أخرى سيّرها معن بن زائده عامل العباسيين على اليمن الذي ارتكب هو الآخر حملة إبادةٍ ومجازر جماعية لأبناء حضرموت لم يشهد التاريخ مثيلها، فأسرف في القتل حتى قيل إنه تجاوز العشرون ألف فلم ينسى أبناء حضرموت دم أهلهم فذهبوا اليه بعد سنوات الى خراسان فلقي مصرعه على يد اثنان من أشاوس حضرموت،
وتعرّضت حضرموت في بعض الأزمنة لهجرات وهجرات معاكسة نتيجة ظروف اقتصادية ومجاعات وقحط وغيرها من النكبات المتعددة، التي كان لها أثراً سلبياً على ما جرى من أحداث فيما بعد،
وكانت حضرموت كغيرها من بلدان العالم الإسلامي تعرضت لثقافة عصور التخلف والانحطاط فعمّ الجهل وانتشرت الخرافة وكثرت الفوضى والصراعات القبلية والثارات، وظهر الى العلن التمايز الطبقي والتقسيمات الاجتماعية الوافدة والمستمدة من عادات الجاهلية والتي ما انزل الله بها من سلطان،
ولهذا صارت حضرموت سهلة ولقمة سائغة لضمها وإلحاقها الى ما سمي جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عام 1967م وتصبح حضرموت بعد ذلك الضم المحافظة الخامسة ليحذف اسم حضرموت التاريخي من الخارطة والمقررات الدراسية والثقافة العامة والاعلام،
ورغم كل ذلك بقي اسم حضرموت حيّاً في قلوب أبنائها وبالذات حضارم المهجر على وجه الخصوص،
والذي برز فيه البعض تجارياً فأغدق الله عليهم من واسع فضله وأصبحوا من ضمن قوائم أصحاب الثراء الكبير، لكن للأسف الشديد لم نجد لأحدهم مشروعاً سياسياً لصالح حضرموت باستثناء بعض أعمال البر والاحسان،
ورأينا أن بعضهم ينمي مشروع الحكم القائم من خلال احتواء بعضاً من شخصياته من كبار المسؤولين فيغدق عليهم من الهبات لتمرير مشاريعه الخاصة،
الحديث يطول في الشأن الحضرمي ولا تكفيه مساحة العمود ولهذا لزم التوقف هنا واستكمال ما تبقى الأسبوع القادم ان شاء الله.