نعيق الغربان في المكلا
اشتهرت مدينة عدن بتواجد اسراب الغربان بشكل كبير مما تشكل حالة من الازعاج للناس والسكينة العامة وللحياة والبيئة بشكل عام، فلم يكن تواجدها في مرتفعات الجبال ولا في الحدائق ذات الأشجار الكبيرة بل أصبحت فوق أسطح المنازل وعلى الشرفات وعلى الأعمدة والأسلاك الكهربائية المعلقة، وحتى تجدها في الطرقات وبجوار النفايات على وجه التحديد،
وتُلقِي بمخلفاتها وبقايا ما تحمله من اطعمه على الأسطح وفي البلكونات وغيرها من أماكن الاستراحة بالنسبة لها ويشكل نعيقها حالة من القلق والأذى على سامعيه،
وتقول الروايات أن أول من أحضر ازواجاً من الغربان إلى عدن هو ضابط هندي في العام 1840م وكان يعمل ضمن القوات البريطانية التي قامت باحتلال المدينة، فتكاثرت بشكل سريع ومروع، ومعروف أن أنثى الغراب تضع ما لا يقل عن خمس بيضات وسرعان ما تفقس تلك البيضات وخلال عشرون يوماً فاذا به يطير في الأجواء،
وقد تعمّد الهنود قي ذلك الوقت جلب هذا الطائر المشؤوم الى عدن ضمن اعتقادات خاصة بطائفتهم الوثنية التي ينتمون اليها،
والأمثال العربية تشير الى الغراب بأنه نذير شؤم وقد تم ذكره في كثير من الأبيات الشعرية ومنها:
ومن يكن الغراب له دليلاً
يدلهم على جيف الكلاب
وقال أبو الشيص الخُزاعي:
ومن يكن الغراب له دليلاً
فناووس المجوس له مصير
ولم نرى أي حملة مكافحة فعلية لهذه الأسراب المؤذية للبيئة وللإنسان بشكل عام إلاّ حملة بسيطة ومضحكة في نفس الوقت ففي عام 1985م بعد زيارة لأحد رؤساء المنظومة الاشتراكية لعدن وأثناء زيارته لضريح الجندي المجهول بحديقة التواهي ألقى أحد الغربان من فوق الشجرة مخلفاته على صلعة الرئيس الضيف فأقام الرفاق مجزرة في الغربان بلغت حوالي 25 ألف غراب ضعف عدد البشر الذين كانوا ضحية أحداث يناير وحتى أن بعض الناس في عدن عندما سمعوا دوي الرصاص في يناير 1986م لم يلقوا للأمر بالاً ظناً منهم انها حملة مكافحة الغربان،
ولحج هي الأخرى وبحكم قربها من مدينة عدن كان لها هي الأخرى نصيباً من استيطان هذه الغربان وأذيتها.
وننتقل الى المكلا عاصمة الديار الحضرمية فلم نكن نرى في السنين الماضية الا اعداداً بسيطة من هذه الغربان وتحديدا تتجمع على الأشجار الموجودة في فناء مستشفى ابن سيناء والمعهد الصحي وما حولهما وتشكل حالة ازعاج للمرضى والمرافقين وتتكاثر حول المرافقين وما أكثرهم الذين يحضرون بأعداد كبيرة ليكونوا على مقربة من مريضهم المرقّد في المستشفى والذين يفترشون الأرض تحت الأشجار فعندما يأتون بغدائهم تقترب منهم هذه الغربان لتنال نصيبها ومما اختلط بعظم تحديداً تنافس القطط السائبة المتواجدة بكثرة هي الأخرى حتى في عنابر المرضى،
ما شاهدته هذه المرة أثناء زيارتي للمكلا شيئاً مخيفاً فيبدو أن هناك اسراب جديدة قد حلّت بالمكلا كلها حتى على الشواطئ أصبحت موجودة وأعشاشها على كل أعمدة الانارة التي لا تنير أصلاً في شارع الستين وكذلك أصبحت موجودة على أسطح البيوت وفي البلكونات وفوق المكيفات وغيرها وأصبحت لا تخاف فتجدها في الشوارع وفوق السيارات وكأننا في عدن، وبالفعل تشكل ازعاجاً وقلقاً للناس وبالذات في فترة القيلولة يزداد نعيقها فتُطيّر كل غفوة يبحث عنها المواطن بعد عناء العمل وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، أولا تكفينا الكلاب الضالة المنتشرة ليلا التي تقلق السكينة بنباحها؟ حتى كأننا نعيش المأساة بين الغربان والكلاب وانقطاع الخدمات وغلاء المعيشة واضرابات الطلاب الجامعيين وسوء التعليم العام ومخرجاته،
ومصائب كبيرة تحمّلها المواطن وهو لا طاقة له بها،
ومازال يبحث عن الفرج والخلاص،
وقطعاً مع نعيق الغربان المتزايد لن نجد من يردد قصيدة الأصمعي الشهيرة:
صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ
هَيَّجَ قَلبِي الثملِ
الماءُ وَالزَهرُ مَعاً
مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ
لكن صفير البلبل سأجعل منه عنوان مقالي الأسبوع القادم إن شاء الله.