#عدن المعالي
أحنُ إليك يا بلدَ المعالي
وما لي لا أحنُ وألف ما لي
أحن إليك والأنفاس حرّا
ونار الحب تُطفأ بالوصالِ
وأسأل عنك زُوّاري جميعاً
وما يشفي الجواب من السؤالِ
وفي عدن العزيزة كلّ شيء
يعزُّ عليَّ من أهلي ومالي
ولو إني سكنت على الثريا
لقلت إليك يا عدن مآلي
رحم الله الشيخ محمد بن سالم البيحاني علامة عدن ورمزها الديني والاجتماعي الذي جادت قريحته بتلك الأبيات التي ستظل خالدة في كتب التاريخ تعبر عن ألم القهر والبعد القسري عن محبوبته عدن التي عاش فيها ونشر علمه ودعوته حتى أصبح رمزها ومرجعها الديني وقد كان من مؤسسي الجمعية الإسلامية الكبرى في عام 1949م ومن خلالها انبثق الصرح العلمي الكبير (المعهد الإسلامي) الذي أراده أن يكون احد الصروح العلمية في الوطن العربي، وقد ضم المعهد بين جنباته الكثير من أبناء الوطن نهلوا من معينه العلمي والذي توقف للأسف الشديد مع بدايات العنف الثوري الذي انتهجه نظام الجبهة القومية (الحزب الاشتراكي اليمني) في مطلع سبعينيات القرن الماضي وتعرض الكثير من العلماء والوجهاء والسياسيين والمناضلين للتغيب القسري بالإعدام او السجن او التهجير كما حصل للشيخ البيحاني رحمه الله الذي غادر الى تعز بشق الأنفس بعد جهود ووساطات مع الرفاق في عدن بذلها القاضي عبدالرحمن الارياني رئيس المجلس الجمهوري في صنعاء وبطلب من الحاج هائل سعيد أنعم رحمه الله الذي استضافه بما يليق به، وامّا قرار تأميم المعهد كما يقول الدكتور محمد علي البار في كتابه (ذكريات وإضاءات في تاريخ عدن واليمن) فقد صدر قرار التأميم للأسف الشديد بتوقيع الأستاذ عبدالله باذيب الذي تتلمذ ذات يوم على يد الشيخ البيحاني قبل ان يعتنق الماركسية وتألّم منه الشيخ البيحاني أشد الألم ولهذا ذكره في قصيدته بعد ابيات مليئة بالحسرة على المآل الذي صارت اليه عدن ومعهدها الاسلامي:
وهل يا معهد الإسلام تبقى
بأيدي العابثين بكل غالي؟
وفيك عصرت أفكاري ولمَّا
بنيتك بعد أعوامٍ طوالِ
أتاك العابثون بكل جهدٍ
وصرت إلى الذي بك لا يبالي
إلى ( باذيب) أرسلها دموعاً
ومن تلك الدموع إلى كمالِ
وإن أفنيت من عينيَّ دمعي
فإن دمي سيكتب لي نضالي
وحاشا أن تضيع جهود مثلي
وقد أفنيت عمري في النزالِ
ولست بخائنٍ وطني وديني
وقومي يعرفون صحيح حالي
وما واليت يوماً أجنبياً
وللباغين ما أنا بالموالي
وقد تم تحويل المعهد الى مقر لوزارة الداخلية وكذلك مقر الجمعية الإسلامية المقابل للمعهد تم تحويله الى مقر للجان الدفاع الشعبي في عبث استهدف كل ما يمت لأصالة وقيم ومعتقدات الشعب بينما في الوقت نفسه تم الحفاظ على معابد الهندوس وكنائس النصارى التي تم انشائها ابان فترة الاحتلال البريطاني لعدن،
لم يطل المقام للشيخ البيحاني في تعز فانتقل الى جوار ربه في فبراير 1972م بعد أن كان يأمل أن تنقشع الغمة عن عدن وأهلها والجنوب بشكل عام وكان يمني النفس بالعودة كما جاء في آخر بيتين من قصيدته الحزينة:
وأنتظر الرجوع إلى بلادي
وطعمُ العيش في الأوطان حالي
وإلا فالوداع وسوف أدعو
لها بجوارحي ولسان حالي.
في النصف الأخير من عام 1994م تم انشاء جمعية البيحاني للتربية والتعليم من قبل زملاء الشيخ وبعض طلابه وتقدمت بطلب للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح باستعادة مبنى المعهد وإعادة تشغيله للهدف الذي أنشئ من اجله فوافق على ذلك واصدر قراراً بذلك وتكفلت جمعية هائل سعيد وبعض الخيرين بإعادة ترميمه وتأهيله من جديد وعاد يؤدي رسالته فلم يرق لرفاق باذيب في سلطة الزعيم فأصدر عبدالقادر باجمّال رئيس الوزراء قراراً بإلغاء المعهد وتسليمه للتربية والتعليم وتم تحويله الى مدرسة ثانوية،
والمعهد يقع على بعد 300متر من بوابة المعاشيق وقطعاً يشاهده رئيس مجلس القيادة ونوابه السبعة جيئة وذهاباً،
فهل سيخطر في بالهم إعادة الاعتبار للشيخ البيحاني ولمعهده ليبث اشعاعه العلمي من جديد وبالتالي إعادة الاعتبار لعدن وتاريخها؟، نرجو ذلك.