المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 27 أبريل 2024
عبد الله الفرحان
عبد الله الفرحان

اجمع الريش

"في يوم من الأيام شعر فلاح بالغضب الشديد على صديقه وأخذ يقذفه بأبشع الكلمات الجارحة المؤلمة، ولم يرد عليه صاحبه أو ينطق، ظل ينظر إليه في صمت موجوعاً من أثر كلماته، فتركه الفلاح وانصرف الي منزله، ولكن بعد مدة قصيرة هدأت أعصابه وبدأ يشعر بالندم لأنه أحزن صديقه وأخذ يعاتب نفسه قائلاً: كيف خرجت هذه الكلمات من فمي ؟! سوف أذهب الآن على الفور وأعتذر من صديقي .
وبالفعل أسرع الفلاح الى منزل صديقه وفي خجل وندم شديدين قال له : انا أعتذر منك يا صديقي، أرجوك سامحني هذه الكلمات الجارحه التي قلتها لك، تقبل الصديق اعتذاره، ولكن لم يشعر الفلاح بإرتياح أيضاً، وعاد الى بيته وهو يشعر بالغصة والحنق، وأخذ يعاتب نفسه ويلومها مرات ومرات على هذه الكلمات التي أحزنت صديقه، لم يسترح قلبه أبداً من يومها .
فقرر الفلاح أن يلتقي بشيخ القرية ويعترف له عما بدر منه عله يساعده في هذه المشكلة التي تؤلمه وتؤرق نومه، قال الفلاح للشيخ: أرجوك ساعدني أريد أن تستريح نفسي ويهدأ قلبي وبالي، فإني ألوم نفسي بشدة على هذه الكلمات التي بدرت مني في حق صديقي، قال له الشيخ : إن أردت أن تستريح وتهدأ قم بملأ جعبتك بريش الطيور وأعبر على جميع بيوت القرية، وضع أمام كل منزل ريشة واحده.
تعجب الفلاح من هذه الفكرة ولكنه قرر تنفيذها بأي حال من الاحوال وبالفعل قام بتنفيذ ما طلبه الشيخ، ثم عاد إليه من جديد، قال له الشيخ : الآن آذهب وأجمع الريش من أمام جميع البيوت، عاد الفلاح ليجمع الريش ولكنه وجد ان الرياح قد حملت الريش والقت به بعيداً ولم يستطع العثور سوى على عدد قليل جداً من الريش أمام الأبواب، فعاد حزيناً الى الشيخ .
في هذه اللحظة اقترب منه الشيخ وقال له : كل كلمة تنطق بها أشبه بريشه تضعها أمام بيت أخيك، ما أسهل أن تقوم بذلك، ولكن الصعب فعلاً أن ترد الكلمات الى فمك من جديد بعد أن بدرت عنك مثلما يكون من الصعب عليك أن تقوم بجمع الريش، إذن عليك أن تجمع ريش الطيور.. أو تمسك لسانك." من خلال قراءتي للقصة مخطئ من يظن أن الكلام يُقال ويُسمع عبثاً ؛ إن ما تصنعنا حقاً هي:
الأحاديث الجميلة، الكلمة الطيبة، اللطف والمودة، الإعتراف بالجميل ، الصدق والوضوح والعبارات النصوح
إن الإنسان كائن هش كلمة طيبة قادرة أن ترفعه عاليًا وكلمة جارحة قادرة على طرحه أرضاً وكم من أخوان أختصموا من كلمة واصدقاء أفترقوا.
لذلك أحترس للسانك فلا تتفوه الا بعد ان تفكر بما تقول، فالإنسان مجموعة من المشاعر والأحاسيس ، الكلمة مفتاح القلوب ، تقع في قلب احدهم فتغير رؤيته للحياة ، فمن خلال كلماتك تكون أنت ، فهي دليل على أخلاقك ووعيك وثقافتك ومخزونك المعرفي ، فالكلمات تكشف كذلك نفسيات الأخر ، لأن ما بداخلك يخرج من خلال كلماتك ، فالكلمة الطيبة صدقة ، فبها تدخل السرور والفرح في قلوب الأخرين ، فِجعل كلامتك فيها أمل وإصلاحاً للخلل وخالية من كل زلل؛ كما اننا لا نرى الجاهل إلا مُفرطاً او مُفرّطا ، صفاء النفس وذهاب البئس بجبر الخواطر، الكلمة مفتاح دخول الجنة وسبب الإنكباب بجهنم" وقال تعالى( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) فالكأس لا يمتلئ من نقطة ، والإنسان يغضب من كلمة ،ويسامح بكلمة ، ويصلح الفاسد بكلمة ، ويلين المعاند ، والكلمة توصل ما قطع واجتث ، وتجمع الشتات ، وترتق الفتق .
لابأس لوتصدقنا بالكلمة الطيبة ونحن الأن في نهاية الشهر الفضيل شهر رمضان وغداً يُقبِل العيد بخطواتٍ ذات نغَمٍ سعيد، ووَجه جميل تعلوه ابتسامة وبشاشة، ولا يرجو من الأرواح إلا أن تستقبله بذات البهجة التي جاءَ بها، يحثّ القلوب على الوَصل والمودّة، والأُلفَة والإخاء، والحُبّ والصفاء، ويُلبِس النفوس ثيابًا عَطِرَة تعبق بالأُنس والهناء. نرسل لمن كان في قلبه شي من العتب أو الزعل رسالة بألطف وأجمل الكلمات نرتجي المثوبة من الله حتى لا نحتاج جمع الريش وكل عام وأنتم بخير
 0  0  10.6K