سطور مضيئة: في اليوم العالمي للإعاقة 2021م أبرار السبر قصتي مع بهجت
يحتفل العالم في الثالث من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للإعاقة. وبهذه المناسبة قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "إنني أحث جميع البلدان على تنفيذ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تنفيذا كاملا، وزيادة التسهيلات الخاصة بذوي الإعاقة، وتفكيك الحواجز القانونية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من العقبات مع توخي الفعالية في إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات التي تمثلهم".
ويأتي موضوع احتفال هذا العام "قيادة الأشخاص ذوي العوق ومشاركتهم للوصول إلى عالم شامل وميسر ومستدام للجميع بعد جائحة كورونا (كوفيد - 19)". فعلى على مدى العامين انشغل العالم بالجائحة (أصابت 263,913,932 شخص في 222 بلد وإقليم توفي منهم 5,245,478) على حساب العديد من الأمراض الخطيرة الأخرى وحالات الإعاقة خصوصًا المتلازمات النادرة والمصابين بها.
ولعله من المناسب أن أغتنم فرصة مناسبة اليوم العالمي للإعاقة لأسلط الضوء من خلال هذه السطور المضيئة على قصة المواطنة ابرار سعود السبر ذات الواحد والثلاثون عامًا التي فقدت بصرها بسبب «متلازمة بهجت» وتعايشت مع كل تبعات هذا المرض الخطير بعزيمة وإصرار وقوة ايمان وأثبتت أنها اقوى منه وأن الحياة نعمة من نعم الله تستحق العيش والتعايش مع كل أنواع الابتلاءات مهما عظمت فأصبحت مصدر الهام للآخرين.
من أنا؟
هكذا بدأت قصتها بتعريف نفسها "معكم السندريلا أبرار صاحبة الجسد الذي يقاوم منذ سنوات أوجاع متلازمته النادرة وآلامها بعزيمة الصبر ويتحدى إعاقة البصر والحركة الناجمة عنها بعزيمة وقوة إرادة. شغوفة بالتطوع، سفيرة المجموعة التطوعية السعودية لدعم مرضى متلازمة بهجت التي أعاني منها. محبة للإعلام وحلمي أن أكمل دراستي واحصل على شهادة الدكتوراة وأن أصبح محررة صحفية وكاتبة ملهمة".
أنا كبرى أخوتي الأربعة، وقالت والدتي العظيمة التي القبها بـ (ميشو) بأنها اثناء ولادتي سألتها الممرضة ماذا ستسمين مولدتك، فقالت جعلها الله من البارين، ومنها الهمت باسمي أبرار.
وحينما ولدت كُنت أعاني من تسمم بالدم وقال الأطباء لوالدتي بأنني لن أعيش طويلًا وقد لا أكمل شهري العاشر إلا بقدرة الله. وبفضل الله كتب لي عمر جديد فشفيت وتخطيت مرحلة طفولتي كسائر الأطفال الطبيعيين ونشات أمارس حياتي كبقية الفتيات مستمتعة بتربيتي وتعليمي وما يتيحه لي أهلي من ترفيه وأوقات ممتعة مع اخوتي وأقاربي حتى وصلت للمرحلة الثانوية بنجاح
وفي العام 2005م وأنا في الصف الثاني ثانوي اكتشفت أنني فقدت ما يزيد عن عشرة كلجم من وزني مع الشعور بإعياء شديد وتعب وإرهاق مستمر وظهور طفح جلدي وتقرحات بالفم والأعضاء التناسلية ومشاكل بقزحية العين وقضيت نحو عامين بين المستشفيات والأطباء حتى أحلت إلى مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون لدى الطبيب (معن عبد الله البري) الذي اكتشف أنني مصابة بـ «متلازمة بهجت». وكانت حالتي النفسية في غاية السوء بيد أن الطبيب كان على قدر عالي من التفهم لحالتي وساعدني كثيرًا على تخطي تلك المرحلة الصعبة، ومن هنا بدأت رحلتي ومعاناتي مع المرض.
مع متلازمة بهجت
أدركت أن مرضي صعب وخطير بعدما علمت بأنه مناعي مزمن يؤدي إلى الإصابة بثالوث من الأعراض (التهاب الأوعية الدموية في أجزاء عديدة من الجسم الفم، الأعضاء التناسلية، العين، المفاصل، وغيرها). ولا يوجد له سبب معروف على الإطلاق، ويُعتقد أن العوامل البيئية والاستعداد الجيني قد يكون لها دور في ظهوره، يصيب جميع الفئات العمرية من الذكور والإناث، وعادة ما تظهر أعراضه في العقد الثاني والثالث من العمر. والكثير من المصابين قد لا يعلمون به ويكتشفونه بالصدفة. ويتوقع أنه يصيب ما بين 13.5 إلى 22 شخص بين كل 100 ألف في السعودية ويقدر أن عددهم نحو 5 آلاف مصاب.
ويبدأ بالظهور على شكل هجمات أولًا قُرح بالفم وهي أكثر الأعراض انتشارًا، تكون مؤلمة جدا تستمر ما بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع ثم تختفي وتعود ثانية. بالتزامن مع التهابات في العينين تعرف بالتهاب العنبية يسبب آلام واحمرار وتشوش الرؤية في واحدة من العينين أو كلاهما، وقد تختفي هذه الحالة ومن ثم تعود، بالإضافة إلى التهاب الجهاز الهضمي الذي يسبب آلام في البطن وإسهال ونزيف. مع آلام في المفاصل واحمرار وتورم في الذراعين والساقين وعادة ما يؤثر على الركبتين أو الكاحلين والمرفقين والرسغين، وتستمر الأعراض أيضًا من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع ومن ثم تختفي من تلقاء نفسها، كما قد يتسبب المرض في حدوث مضاعفات مثل الإصابة بواحدة من الجلطات الدموية أو تمدد الأوعية الدموية أو ضيقها وانسدادها.
وكون أن المرض اصابني في فترة المراهقة لم اتقبله ولم اواظب على اخذ أدويتي بانتظام مما فاقم معاناتي التي بدأت بتقرحات بالفم أجد صعوبة معها في الأكل والشرب لأنها تسبب لي آلام شديدة كحرق النار كلما لامسها الطعام أو الشراب، وتصاب عيناي بالغباش والألم فيكسو الاحمر البياض وتلتهب أجزاء من الشبكية والقزحية فيضعف بصري، وما يزيد معاناتي هو اضطراب معدتي المستمر الذي يعكر صفو مزاجي فاضطرب معه. كما يتسبب التهاب مفاصلي إلى عدم القدرة على المشي بطريقة صحيحة فتميل بين العرج والسقوط فتعيقني الحركة والخطوة تبكيني، مما اضطرني إلى استخدام كرسي متحرك لنحو عامين.
استسلمت للمرض وأعراضه المؤلمة حتى سيطر عليّ فأصبت باكتئاب واضطرابات نفسية، وكانت ذروة معاناتي عندما يلتهب العصب الخامس والسابع فأصاب بآلام مبرحة توقظني من أعز نومي في الليل، عدا الصداع المزمن الذي يجعلني مستلقية على السرير ولا أستطيع الحراك طوال اليوم.
والأصعب من ذلك كله هي اصابتي بتلك القرح في المناطق الحساسة (الأعضاء التناسلية) التي لا تجعل ليلي ليل ولا نهاري نهار، فعادة ما تكون قُرح حمراء مؤلمة مفتوحة على كيس الصفن أو الفرج تترك بعض الندوب.
أنهكني المرض حتى أصبحت كأني في الـ 81 من عمري وذلك بحكم وهن عظامي بسبب علاجاتي التي تحتوي على الكورتيزون ولكن بحمد الله تعايشت معه وأصبحت استخدام الاودية بانتظام وإن كنت سابقًا غير منتظمة في استخدامها ولم أكن أتقبلها، وأصبحت أعرف كيف أتحكم في زيادة أو تخفيض جرعات الكورتيزون، ومتى احتاج الذهاب إلى الطوارئ خصوصا في حالة الألم الشديد في القدم والمفاصل والصداع لعمل أشعه بالرنين المغناطيسي، بالإضافة إلى متابعتي مع طبيب العيون. وأصبحت المستشفى بيتي الثاني اتردد عليها كثيرًا بحكم حالتي الصحية المضطربة بين الحين والآخر.
في غضون ذلك لم أتوقع أن تلك التقرحات والآلام المبرحة سيتبعها فقدان بصري الذي تلاشى شيئًا فشيئًا حتى أصبحت عيناي يكسوها السواد وأنا في ريعان شبابي فتدهورت حالتي النفسية لما أصابني من عجز بصري جعلني بحاجة للمساعدة في جميع أموري الحياتية ومرافق يلازمني في تحركاتي وتنقلاتي اليومية.
الانطلاقة من جديد
بحصولي على تأهيل نفسي ودعم من أسرتي وصديقتي المقربة حاولت استئناف حياتي بصورة طبيعية وكانت أولى محاولاتي ممارسة هوايتي المفضلة وموهبتي المحببة في الكتابة الأدبية حيث عرضت عليّ قبل ثلاث سنوات تقريبًا المشاركة في مسابقة خاصة بذوات الإعاقة للكتابة الأدبية "عظماء" في البداية ترددت كثيرًا في المشاركة فكيف لي أن اتجرأ واعود مجددًا لممارسة تلك الهواية وبتحفيز وإصرار من عائلتي وافقت على المشاركة رغم أنه لم يكن يتبقى على التسليم إلا ثلاثة أيام وحينها لم أكن أمتلك حتى بريدًا الكتروني خاص بي على جهاز جوالي الأيفون فاستعنت بصديقتي وبفضل من ربي تفوقت وحصلت على المركز الأول فقد كانت مشاركتي عبارة عن موضوع تناولت فيه تجربتي مع المرض والإعاقة في ثلاثة أجزاء وصفت فيها كيف كنت بنشاطي وحيويتي في كامل صحتي وعافيتي ثم حالي مع المتلازمة المزمنة والاعاقة البصرية ومعاناتي مع الاكتئاب والاضطراب النفسي وختمتها برؤيتي المستقبلية التي قلت فيها "أيتها السندريلا واصلي، فالسنة القادمة ستُهديك الأكثر وستتأرجحين بين أمل يغمرك وألم يحاصرك لا بأس حتمًا سأصل محظوظة بمسؤوليتي المجتمعية، متسلحة بشغفي العميق للتطوع كمصدر قوة ومواهبي المتعددة كطاقة تدفع بعجلة إبداعات إنجازاتي المتتالية".
وفي يوم الحفل صعدت على خشبة المسرح وارتجلت كلمة تحدثت فيها عن ذاتي ومشاركتي ومشاعري حيال الفوز وبانتهاء كلمتي صفق الحضور تصفيقًا حارًا فهمست في نفسي "أنا قادرة إذًا أنا أستطيع، سأنطلق بمسيرتي حتى وإن لم أكمل دراستي الجامعية فهناك بدائل كثيرة ستزيد من حصيلة تقدمي وستظهر ما في جعبتي من مخزون لخدمة وطني".
ومن حينها انطلقت لتحقيق آمالي وطموحاتي فقمت بشراء جهاز حساب آلي بتمويل ذاتي ونصبت عليه برنامج قارئ للشاشة وانضممت إلى مجموعات متطوعين من ذوي الإعاقة البصرية لتبادل الخبرة والتدرب على استخدام التقنيات الصوتية، وتعلمت مبادئ القراءة والكتابة بطريقة برايل وإن كنت اعتمد كليًا على الحاسب وقارئ الشاشة لمشاكل المخ والاعصاب التي أعاني منها بسبب المرض. كما تدربت على الحركة والتنقل باستخدام العصا البيضاء التي أسميها رفيقتي الأنيقة وما زلت أحاول تعلم المزيد وأحب أن أنفع غيري بما اكتسبته من معلومات ومهارات.
وشاركت كمتحدثة في عدة محافل منها: ملتقى شارك قدره، ومؤتمر تجربة المريض، وملتقى قصة نجاح، وفعالية تحرك امشي. واليوم العالمي للعصا البيضاء 2019 في جامعة الأميرة نورة، ولي مشاركات عدة مع مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون وجمعية كفيف، ومثلت السعودية في معسكر المرأة الخليجية الكفيفة الأول في البحرين عام 2016م. فضلاً عن مشاركتي في عدد من المسابقات فحققت المركز الأول في مسابقة أنامل الودق مسار التأليف، وجائزة "وقود متطوع" في اليوم العالمي للتطوع 2018م من سفراء جستر.
وختامًا أقول لأقراني من المصابين بمتلازمة بهجت عليكم أن تكونوا متقبلين لمرضكم ومتعايشين معه ومتفائلين لتلافي الإصابة بالاكتئاب والاضطراب النفسي وأن لا تتحرجوا من الطبيب إذا سألكم عن تقرحات الأعضاء التناسلية فهي من أهم أعراض المرض التي يجب معالجتها. فنحن نتألم فنتعلم، نتوجع فننجز.. نحن محظوظون بوطننا ونحمل الكثير ويُتمنى منا الأكثر.. ارسموا احلامكم عانقوا السحب بآمالكم. ورسالتي إلى المجتمع بأن يتيحوا فرص المشاركة الرياضية لذوي الإعاقة فأنا من محبي ممارسة الرياضة ولم أجد المكان المناسب لتنميتها. واذكروني بدعواتكم السرية بأن يمد الكريم جسدي بالصحة، والعافية، وروحي بالسكينة والطمأنينة.
وبدوري أقول للقائمين على رعاية ذوي الإعاقة في كافة القطاعات إن رعاية ذوي الإعاقة مسئولية وأمانة تتخطى المناسبات والفعاليات والتقاط الصور للعلاقات العامة.
والجدير بالذكر أن متلازمة بهجت التي تعرف أيضا بمرض بهجت أو مرض طريق الحرير، هو مرض نادر وشكل من أشكال التهابات الأوعية الدموية التي تظهر في معظم الأحيان مع تقرّح الاغشية المخاطية ومشاكل بصرية. اكتشف في العام 1937م وسُمي على اسم مكتشفه الطبيب التركي خلوصي بهجت في جامعة اسطنبول وأعراضه تقرحات فموية وتناسلية والتهاب القزحية ويُصنف بأنه مرض شامل يصيب كامل الجسم يؤثر على الأعضاء الداخلية مثل الجهاز الهضمي والتنفسي والعضلي الهيكلي والدوران والعصبي، وقد يتسبب في الوفاة نتيجة تمزق الأوعية الدموية المتمددة أو مضاعفات عصبية حادة.
ويأتي موضوع احتفال هذا العام "قيادة الأشخاص ذوي العوق ومشاركتهم للوصول إلى عالم شامل وميسر ومستدام للجميع بعد جائحة كورونا (كوفيد - 19)". فعلى على مدى العامين انشغل العالم بالجائحة (أصابت 263,913,932 شخص في 222 بلد وإقليم توفي منهم 5,245,478) على حساب العديد من الأمراض الخطيرة الأخرى وحالات الإعاقة خصوصًا المتلازمات النادرة والمصابين بها.
ولعله من المناسب أن أغتنم فرصة مناسبة اليوم العالمي للإعاقة لأسلط الضوء من خلال هذه السطور المضيئة على قصة المواطنة ابرار سعود السبر ذات الواحد والثلاثون عامًا التي فقدت بصرها بسبب «متلازمة بهجت» وتعايشت مع كل تبعات هذا المرض الخطير بعزيمة وإصرار وقوة ايمان وأثبتت أنها اقوى منه وأن الحياة نعمة من نعم الله تستحق العيش والتعايش مع كل أنواع الابتلاءات مهما عظمت فأصبحت مصدر الهام للآخرين.
من أنا؟
هكذا بدأت قصتها بتعريف نفسها "معكم السندريلا أبرار صاحبة الجسد الذي يقاوم منذ سنوات أوجاع متلازمته النادرة وآلامها بعزيمة الصبر ويتحدى إعاقة البصر والحركة الناجمة عنها بعزيمة وقوة إرادة. شغوفة بالتطوع، سفيرة المجموعة التطوعية السعودية لدعم مرضى متلازمة بهجت التي أعاني منها. محبة للإعلام وحلمي أن أكمل دراستي واحصل على شهادة الدكتوراة وأن أصبح محررة صحفية وكاتبة ملهمة".
أنا كبرى أخوتي الأربعة، وقالت والدتي العظيمة التي القبها بـ (ميشو) بأنها اثناء ولادتي سألتها الممرضة ماذا ستسمين مولدتك، فقالت جعلها الله من البارين، ومنها الهمت باسمي أبرار.
وحينما ولدت كُنت أعاني من تسمم بالدم وقال الأطباء لوالدتي بأنني لن أعيش طويلًا وقد لا أكمل شهري العاشر إلا بقدرة الله. وبفضل الله كتب لي عمر جديد فشفيت وتخطيت مرحلة طفولتي كسائر الأطفال الطبيعيين ونشات أمارس حياتي كبقية الفتيات مستمتعة بتربيتي وتعليمي وما يتيحه لي أهلي من ترفيه وأوقات ممتعة مع اخوتي وأقاربي حتى وصلت للمرحلة الثانوية بنجاح
وفي العام 2005م وأنا في الصف الثاني ثانوي اكتشفت أنني فقدت ما يزيد عن عشرة كلجم من وزني مع الشعور بإعياء شديد وتعب وإرهاق مستمر وظهور طفح جلدي وتقرحات بالفم والأعضاء التناسلية ومشاكل بقزحية العين وقضيت نحو عامين بين المستشفيات والأطباء حتى أحلت إلى مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون لدى الطبيب (معن عبد الله البري) الذي اكتشف أنني مصابة بـ «متلازمة بهجت». وكانت حالتي النفسية في غاية السوء بيد أن الطبيب كان على قدر عالي من التفهم لحالتي وساعدني كثيرًا على تخطي تلك المرحلة الصعبة، ومن هنا بدأت رحلتي ومعاناتي مع المرض.
مع متلازمة بهجت
أدركت أن مرضي صعب وخطير بعدما علمت بأنه مناعي مزمن يؤدي إلى الإصابة بثالوث من الأعراض (التهاب الأوعية الدموية في أجزاء عديدة من الجسم الفم، الأعضاء التناسلية، العين، المفاصل، وغيرها). ولا يوجد له سبب معروف على الإطلاق، ويُعتقد أن العوامل البيئية والاستعداد الجيني قد يكون لها دور في ظهوره، يصيب جميع الفئات العمرية من الذكور والإناث، وعادة ما تظهر أعراضه في العقد الثاني والثالث من العمر. والكثير من المصابين قد لا يعلمون به ويكتشفونه بالصدفة. ويتوقع أنه يصيب ما بين 13.5 إلى 22 شخص بين كل 100 ألف في السعودية ويقدر أن عددهم نحو 5 آلاف مصاب.
ويبدأ بالظهور على شكل هجمات أولًا قُرح بالفم وهي أكثر الأعراض انتشارًا، تكون مؤلمة جدا تستمر ما بين أسبوع إلى ثلاثة أسابيع ثم تختفي وتعود ثانية. بالتزامن مع التهابات في العينين تعرف بالتهاب العنبية يسبب آلام واحمرار وتشوش الرؤية في واحدة من العينين أو كلاهما، وقد تختفي هذه الحالة ومن ثم تعود، بالإضافة إلى التهاب الجهاز الهضمي الذي يسبب آلام في البطن وإسهال ونزيف. مع آلام في المفاصل واحمرار وتورم في الذراعين والساقين وعادة ما يؤثر على الركبتين أو الكاحلين والمرفقين والرسغين، وتستمر الأعراض أيضًا من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع ومن ثم تختفي من تلقاء نفسها، كما قد يتسبب المرض في حدوث مضاعفات مثل الإصابة بواحدة من الجلطات الدموية أو تمدد الأوعية الدموية أو ضيقها وانسدادها.
وكون أن المرض اصابني في فترة المراهقة لم اتقبله ولم اواظب على اخذ أدويتي بانتظام مما فاقم معاناتي التي بدأت بتقرحات بالفم أجد صعوبة معها في الأكل والشرب لأنها تسبب لي آلام شديدة كحرق النار كلما لامسها الطعام أو الشراب، وتصاب عيناي بالغباش والألم فيكسو الاحمر البياض وتلتهب أجزاء من الشبكية والقزحية فيضعف بصري، وما يزيد معاناتي هو اضطراب معدتي المستمر الذي يعكر صفو مزاجي فاضطرب معه. كما يتسبب التهاب مفاصلي إلى عدم القدرة على المشي بطريقة صحيحة فتميل بين العرج والسقوط فتعيقني الحركة والخطوة تبكيني، مما اضطرني إلى استخدام كرسي متحرك لنحو عامين.
استسلمت للمرض وأعراضه المؤلمة حتى سيطر عليّ فأصبت باكتئاب واضطرابات نفسية، وكانت ذروة معاناتي عندما يلتهب العصب الخامس والسابع فأصاب بآلام مبرحة توقظني من أعز نومي في الليل، عدا الصداع المزمن الذي يجعلني مستلقية على السرير ولا أستطيع الحراك طوال اليوم.
والأصعب من ذلك كله هي اصابتي بتلك القرح في المناطق الحساسة (الأعضاء التناسلية) التي لا تجعل ليلي ليل ولا نهاري نهار، فعادة ما تكون قُرح حمراء مؤلمة مفتوحة على كيس الصفن أو الفرج تترك بعض الندوب.
أنهكني المرض حتى أصبحت كأني في الـ 81 من عمري وذلك بحكم وهن عظامي بسبب علاجاتي التي تحتوي على الكورتيزون ولكن بحمد الله تعايشت معه وأصبحت استخدام الاودية بانتظام وإن كنت سابقًا غير منتظمة في استخدامها ولم أكن أتقبلها، وأصبحت أعرف كيف أتحكم في زيادة أو تخفيض جرعات الكورتيزون، ومتى احتاج الذهاب إلى الطوارئ خصوصا في حالة الألم الشديد في القدم والمفاصل والصداع لعمل أشعه بالرنين المغناطيسي، بالإضافة إلى متابعتي مع طبيب العيون. وأصبحت المستشفى بيتي الثاني اتردد عليها كثيرًا بحكم حالتي الصحية المضطربة بين الحين والآخر.
في غضون ذلك لم أتوقع أن تلك التقرحات والآلام المبرحة سيتبعها فقدان بصري الذي تلاشى شيئًا فشيئًا حتى أصبحت عيناي يكسوها السواد وأنا في ريعان شبابي فتدهورت حالتي النفسية لما أصابني من عجز بصري جعلني بحاجة للمساعدة في جميع أموري الحياتية ومرافق يلازمني في تحركاتي وتنقلاتي اليومية.
الانطلاقة من جديد
بحصولي على تأهيل نفسي ودعم من أسرتي وصديقتي المقربة حاولت استئناف حياتي بصورة طبيعية وكانت أولى محاولاتي ممارسة هوايتي المفضلة وموهبتي المحببة في الكتابة الأدبية حيث عرضت عليّ قبل ثلاث سنوات تقريبًا المشاركة في مسابقة خاصة بذوات الإعاقة للكتابة الأدبية "عظماء" في البداية ترددت كثيرًا في المشاركة فكيف لي أن اتجرأ واعود مجددًا لممارسة تلك الهواية وبتحفيز وإصرار من عائلتي وافقت على المشاركة رغم أنه لم يكن يتبقى على التسليم إلا ثلاثة أيام وحينها لم أكن أمتلك حتى بريدًا الكتروني خاص بي على جهاز جوالي الأيفون فاستعنت بصديقتي وبفضل من ربي تفوقت وحصلت على المركز الأول فقد كانت مشاركتي عبارة عن موضوع تناولت فيه تجربتي مع المرض والإعاقة في ثلاثة أجزاء وصفت فيها كيف كنت بنشاطي وحيويتي في كامل صحتي وعافيتي ثم حالي مع المتلازمة المزمنة والاعاقة البصرية ومعاناتي مع الاكتئاب والاضطراب النفسي وختمتها برؤيتي المستقبلية التي قلت فيها "أيتها السندريلا واصلي، فالسنة القادمة ستُهديك الأكثر وستتأرجحين بين أمل يغمرك وألم يحاصرك لا بأس حتمًا سأصل محظوظة بمسؤوليتي المجتمعية، متسلحة بشغفي العميق للتطوع كمصدر قوة ومواهبي المتعددة كطاقة تدفع بعجلة إبداعات إنجازاتي المتتالية".
وفي يوم الحفل صعدت على خشبة المسرح وارتجلت كلمة تحدثت فيها عن ذاتي ومشاركتي ومشاعري حيال الفوز وبانتهاء كلمتي صفق الحضور تصفيقًا حارًا فهمست في نفسي "أنا قادرة إذًا أنا أستطيع، سأنطلق بمسيرتي حتى وإن لم أكمل دراستي الجامعية فهناك بدائل كثيرة ستزيد من حصيلة تقدمي وستظهر ما في جعبتي من مخزون لخدمة وطني".
ومن حينها انطلقت لتحقيق آمالي وطموحاتي فقمت بشراء جهاز حساب آلي بتمويل ذاتي ونصبت عليه برنامج قارئ للشاشة وانضممت إلى مجموعات متطوعين من ذوي الإعاقة البصرية لتبادل الخبرة والتدرب على استخدام التقنيات الصوتية، وتعلمت مبادئ القراءة والكتابة بطريقة برايل وإن كنت اعتمد كليًا على الحاسب وقارئ الشاشة لمشاكل المخ والاعصاب التي أعاني منها بسبب المرض. كما تدربت على الحركة والتنقل باستخدام العصا البيضاء التي أسميها رفيقتي الأنيقة وما زلت أحاول تعلم المزيد وأحب أن أنفع غيري بما اكتسبته من معلومات ومهارات.
وشاركت كمتحدثة في عدة محافل منها: ملتقى شارك قدره، ومؤتمر تجربة المريض، وملتقى قصة نجاح، وفعالية تحرك امشي. واليوم العالمي للعصا البيضاء 2019 في جامعة الأميرة نورة، ولي مشاركات عدة مع مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون وجمعية كفيف، ومثلت السعودية في معسكر المرأة الخليجية الكفيفة الأول في البحرين عام 2016م. فضلاً عن مشاركتي في عدد من المسابقات فحققت المركز الأول في مسابقة أنامل الودق مسار التأليف، وجائزة "وقود متطوع" في اليوم العالمي للتطوع 2018م من سفراء جستر.
وختامًا أقول لأقراني من المصابين بمتلازمة بهجت عليكم أن تكونوا متقبلين لمرضكم ومتعايشين معه ومتفائلين لتلافي الإصابة بالاكتئاب والاضطراب النفسي وأن لا تتحرجوا من الطبيب إذا سألكم عن تقرحات الأعضاء التناسلية فهي من أهم أعراض المرض التي يجب معالجتها. فنحن نتألم فنتعلم، نتوجع فننجز.. نحن محظوظون بوطننا ونحمل الكثير ويُتمنى منا الأكثر.. ارسموا احلامكم عانقوا السحب بآمالكم. ورسالتي إلى المجتمع بأن يتيحوا فرص المشاركة الرياضية لذوي الإعاقة فأنا من محبي ممارسة الرياضة ولم أجد المكان المناسب لتنميتها. واذكروني بدعواتكم السرية بأن يمد الكريم جسدي بالصحة، والعافية، وروحي بالسكينة والطمأنينة.
وبدوري أقول للقائمين على رعاية ذوي الإعاقة في كافة القطاعات إن رعاية ذوي الإعاقة مسئولية وأمانة تتخطى المناسبات والفعاليات والتقاط الصور للعلاقات العامة.
والجدير بالذكر أن متلازمة بهجت التي تعرف أيضا بمرض بهجت أو مرض طريق الحرير، هو مرض نادر وشكل من أشكال التهابات الأوعية الدموية التي تظهر في معظم الأحيان مع تقرّح الاغشية المخاطية ومشاكل بصرية. اكتشف في العام 1937م وسُمي على اسم مكتشفه الطبيب التركي خلوصي بهجت في جامعة اسطنبول وأعراضه تقرحات فموية وتناسلية والتهاب القزحية ويُصنف بأنه مرض شامل يصيب كامل الجسم يؤثر على الأعضاء الداخلية مثل الجهاز الهضمي والتنفسي والعضلي الهيكلي والدوران والعصبي، وقد يتسبب في الوفاة نتيجة تمزق الأوعية الدموية المتمددة أو مضاعفات عصبية حادة.