المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024
أ.د. إبراهيم طلبة
أ.د. إبراهيم طلبة
أ.د. إبراهيم طلبة

| أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي المعاصر

صكوك الغفران .... هل عادت من جديد؟؟؟

إن الدارس لتاريخ الكنيسة الأوروبية، يعرف تماما صكوك الغفران، وذلك عندما كان يدفع الناس أموالهم إلى الكنيسة كي يشتروا منها "صكا" يسقط عنهم ذنوبهم، ويدخلهم إلى النعيم الإلهي، حيث قُرر في المجمع الثاني عشر سنة (1215) م، أن الكنيسة الكاثوليكية تملك حق الغفران للذنوب، وتمنحه لمن تشاء. فاستغلت الكنيسة والقسس هذا الأمر، وطبعوا صكوك الغفران، وباعوها وربحوا من ورائها أموالاً طائلة، وهذه الصكوك يغفر فيها جميع الذنوب السابقة واللاحقة، وتخلص صاحبها من جميع التبعات والحقوق التي في ذمته. وربما لولا إصلاحات مارتن لوثر في القرن السادس عشر، كانت ستظل هذه الصكوك منتشرة بينهم في العصر الحديث.
والذي يبدو لي أن الحضارة الأوروبية الحديثة تتوق لهذا الأمر إذ تعمل جاهدة على توليد أنواع من الصكوك على غرار صكوك الغفران، لكن هذه المرة تحت مسمى صكوك الإبداع، وتحاول أن تشد إليها سكان الأرض تحت دعوى تحفيز المبدعين والمفكرين والموهوبين لخدمة البشرية.
فعندما نتأمل الجوائز العالمية في شتى المجالات التي تنفق عليها بسخاء مصحوبة بدعاية كبيرة وضخمة تمدها بوهج وبريق ولمعان، يستبين بجلاء محاولة سيطرة الحضارة الغربية واحتكارها صكوك الإبداع والتميز؛ والتحكم في الشهادة بتفوق واجتهاد أي إنسان فهي المعيار والمرجع لتقييم إبداعك ونباهتك وتفوقك.
ويترتب على ذلك تقزيم الإبداع ليكون محصورا في محاولة إرضاء لجان هذه الجوائز ومسايرتهم في فكرهم أو فعل أمور تكون سببا للقرب منهم .
حتى الجوائز النبيلة في فكرتها كجائزة نوبل مثلا تم الالتفاف عليها وإيجاد مسارات لها لا تمنح إلا لمن يرتمي في أحضان الحضارة الغربية، ويلبي مطالبها في المجال الأدبي أو العلمي أو السياسي الدولي.
ولعل من أبرز الشواهد على ذلك ما كان من عبقري الرياضيات الهندي: عناية الله المشرقي ت 1963م، عندما قال: "لا أُريد جائزة لا تعترف بلغتي الأوردية"
جملة قالها إثر طلب وشرط لجنة جائزة نوبل منه أن يترجم عمله إلى إحدى اللغات الأوربية إنجليزية، فرنسية.. وهذا ليس عجزا منه أو صعوبة ذلك إذ هو أكمل دراسته في بريطانيا؛ فتمسك الرجل بلغته والتي تشكل هويته على حساب الجائزة، وما قيمة الجائزة إن لم تعترف بلغة الآخر وهويته، فهي حقا ليست فيها نزاهة إن كان هذا هو المعيار.
وإذا تجاوزنا نوبل اصطدمنا بما يسمى جوائز مهرجان كان، وجوائز الأوسكار والتي تعتبر من أرفع الجوائز السينمائية في الولايات المتحدة والبعض يعتبرها أهم جائزة سينمائية في العالم. والجهة المانحة للجائزة هي أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية التي تعتبر أكاديمية فخرية وليست أكاديمية تعليمية وتأسست في مايو 1927م في كاليفورنيا، ولكي يرشح الفيلم في هذا المهرجان يجب أن يكون الفيلم قد تم عرضه في صالات السينما في كاليفورنيا في السنة السابقة من 1 يناير إلى 31 ديسمبر.
وتوحي هذه الجوائز في مجال الإبداع الفني أنه لا بد من تعرية السيقان، وكشف الصدور، وإظهار النحور؛ للسماح بالوقوف على السجادة الحمراء كما فعل المحسوبون على الفن لدينا عندما أرادوا تقليد هذه الجوائز ومسايرتها.
ولم تكن الرياضة البدنية بعيدة عن صكوك الإبداع فخصصوا لها عدة جوائز لعل من أبرزها جائزة الكرة الذهبية فلا بد من أجل الاعتراف بموهبتك الرياضية أن تدور في فلك لجان هذه الجائزة، ولا تغرد خارج السرب فالاعتراف بقيمتك وموهبتك واجتهادك مرهون بهم.
ومن نافلة القول الإشارة إلى المتاجرة بأصحاب هذه الجوائز والتربح المادي من خلال الإعلانات التي تقدم من خلالهم بعد منحهم الجائزة بعد خضوعهم لعملية تلميع وتجميل على أعلى مستوى إعلامي لتحقيق الربح المادي من خلال ترويج المنتجات والبضاعة الكاسدة في الأسواق.
الخلاصة التي أريد أخرج بها للقارئ أن ما يصدعنا به الغرب، ويروّج له من جوائز عالمية لتحفيز الإبداع والابتكار والتميز هو عودة إلى صكوك الغفران التي أجاد بيعها وتربح منها في القرن الثالث عشر الميلادي، ويقدمها الآن في شكل جديد هي صكوك الإبداع إذ هي شكل من أشكال التحكم وفرض الهيمنة والامبريالية الغربية والرضوخ لمعيارية الحضارة الغربية وقيمها ونظمها ومناهجها، والسير في ركابه وتتبع خطاه.
وهذا بلا شك يكرس للانسلاخ من الهوية، ويضعف الثقة في النفس، ويخلق الروح الانهزامية لدى الموهبين والمبدعين والمتميزين من أبنائنا.
ولذا وجب التنبيه والتأكيد أن المسلم يعمل ويجتهد، ويبدع ويبتكر، ويعتز بانتمائه، ومعياره الحق الذي يتحاكم إليه مدى توافقه مع إسلامه ودينه، وخدمة البشرية والإنسانية، ولا يضره إنكار من أنكر، وجحود من جحد.

والله حسبي وهو الهادي إلى سواء السبيل
بواسطة : أ.د. إبراهيم طلبة
 2  0  19.9K