دردشات الصومعة: حامد دمنهوري رائد الرواية السعودية الغائب عنا
دعوت مؤخرًا في مقالي المنشور بصحيفة الوطن السعودية (السبت 06/11/2021م) «دعوة لتخليد سير الرواد وإحياء أعمالهم» هيئة الأدب والنشر والترجمة إلى إطلاق برنامج يخصص لتوثيق وتدوين السير الغيرية لرواد الأدب والفكر في بلادنا، وتحفيز دور النشر على تبني أعمالهم ونشرها، تفاديًا لتلاشي واندثار أعمالهم وسيرهم، سيما وأن الكثير من النشء يجهلونهم ولا يعرفون أعمالهم، وذكرت في هذا السياق مجموعة من الأدباء الذين لم يأخذوا حقهم اعلاميًا أو حتى منجزاتهم رغم أهميتها لتاريخ حركة النهضة الثقافية في بلادنا منهم «أحمد السباعي، أحمد عبد الغفور عطار، الأمير عبد الله الفيصل، حسن عبد الله القرشي، حمد الجاسر، حمزة شحاته، طاهر زمخشري، عبد القدوس الأنصاري، عبد الله بن خميس، محمد حسن عواد، محمد حسن فقي».
وتعقيبًا على ذلك ذكرني الصديق الأستاذ منير محمد دمنهوري بعمه الأديب والروائي والشاعر السعودي حامد حسين دمنهوري -رحمه الله-، وبعث لي رابط مقال للكاتب عبد الله عمر خياط -رحمه الله- بعنوان "نجيب محفوظ الحجاز. حامد دمنهوري"، ومقال للأستاذ فواز أبو نيان بصحيفة الجزيرة (21/03/2014م) بعنوان «حامد دمنهوري.. مقالاته.. وشعره.. وقصصه».
الأمر الذي أكد لي ما ذكرته في مقالي، فأنا شخصيًا لم أكن على اطلاع كاف بمكانة «الدمنهوري» وإنجازاته الأدبية رغم أنى قرأت اسمه وسمعته مرارًا على لسان جدي طاهر زمخشري – رحمه الله- ولعل الأمر اختلط عليّ بيوسف حسين دمنهوري -رحمه الله- الذي عمل في التلفزيون والصحافة.
فعكفت اقرأ عنه ووجدت أنه يستحق منا الذكر وتخليد سيرته فهو روائي وشاعر وإعلامي علاوة على أنه تربوي، وكان اخر منصب شغله قبل وفاته في 1385هـ وكيلًا لوزارة المعارف للشؤون الثقافية ومشرفًا على إدارة المُلحقية بالقاهرة. ووصف بأنه ابن الثقافة.. وأبو الرواية ومتعدد المواهب.
وقال عنه عبد الله عمر خياط في زاويته مع الفجر (عكاظ 30/01/2011م) بمناسبة إعادة اصدار نادي مكة الأدبي لروايتي «الدمنهوري» بأنه "كان رقيقا في حديثه، أنيقا في مظهره، مبدعا فيما كتب، ومنه، رواية «ثمن التضحية»، رواية «ومرت الأيام». أصدرهما نادي مكة الثقافي الأدبي بمناسبة تكريمه في احتفالية شارك فيها أهل الفكر والأدب بدعوة من معالي رئيس النادي الدكتور سهيل حسن قاضي، الذي كان له الفضل يوم كان مديرا لجامعة أم القرى بإحياء ليالٍ يكرم فيها كل شهر واحد من الرواد الأوائل، ومع الأسف فقد توقف ذلك بعدما غادر معاليه الجامعة".
وأورد جانب مما جاء في المقدمة التي كتبها القاضي "يجد نادي مكة الثقافي الأدبي أن من واجبه الاحتفاء بأعلام الفكر والثقافة والأدب وبخاصة أولئك الرواد والمؤسسين، من أبناء (البلد الأمين) يجد النادي أن إحياء آثار تلك النخبة التي أسهمت في التنوير، وكان لها في نهضتنا التعليمية والحضارية أثر كبير، واجب آخر يجب السعي إليه، والعمل على تحقيقه.
وفي هذا السياق وفي إطار احتفالية تكريم (نادي مكة الثقافي الأدبي) بأديب مكة المكرمة الراحل الأستاذ حامد دمنهوري، رحمه الله، يعيد النادي طباعة روايتي هذا الأديب الكبير (ثمن التضحية) و(مرت الأيام) لمكانتهما الريادية في مسيرة الرواية السعودية. والملاحظ أن مرجعية كلتا الروايتين موهبة وثقافة ورؤية واعية للأستاذ حامد دمنهوري الذي كان من أوائل من تلقوا دراساتهم العليا خارج المملكة، فكان سفيرا لقيمنا ومبادئنا لدى الآخرين، ثم كان سفيرا للثقافة العصرية في بيئة تقليدية، فكانت مسؤوليته غير عادية، وسخر موهبته الأدبية، لأداء رسالته التنويرية.
وكما كان هذا الأديب المبدع في روايته شاهدا على تلك الأيام، بمعالجة سلبياتها، وتعزيز إيجابيتها، قام بدور المصلح بإشادته بالقيم الأخلاقية، والإسهام في زرع الفضائل الإنسانية، استشراقا لغد يحمل أصالة الماضي، ومزايا العصر، وذلك ما بدأنا نفتقده في الأدب الحديث، الذي بدأ يسهم في نشر الرذيلة بدلا من الفضيلة، من خلال إفرازات شخصية، أو توجهات سياسية.
ويؤكد أديبنا حامد دمنهوري على أهمية العلم في رقي الأمم، انطلاقا من وظائفه التي تسنمها في سلم التعليم، حتى وصل إلى منصب (وكيل وزارة المعارف للشؤون الثقافية) وبحكم دوره أديبا أصيلا يحمل رسالة هادفة تجاه مجتمعه ووطنه".
وفي مقال لاحق (عكاظ 06/11/2011م) أتم الخياط ما قاله القاضي "جاءت رواية دمنهوري (ومرت الأيام)، التي أصدرها قبل وفاته بعامين، حيث صدرت في طبعتها الأولى، عن (دار العلم للملايين) في بيروت عام 1383هـ/1963م، جاءت هذه الرواية التي كان لها صدى واسع في الأوساط الفكرية والأدبية آنذاك لتؤكد ريادة هذا الأديب المكي المبدع للرواية السعودية، ومكانته السامية في المشهد الثقافي الأدبي في المملكة، وكما حظيت رواية الدمنهوري الأولى (ثمن التضحية) باهتمام إعلامي بارز، نالت روايته الثانية (ومرت الأيام) اهتماما كبيرا، بإخراجها في أعمال إذاعية وتلفزيونية، مما يدل على طبيعة روايات الدمنهوري التي تستمد أحداثها ومفرداتها من الواقع المعاش، مما يجعلها قابلة للتمثل لتكون شاهدا على زمن جميل.
وتشكل روايتا الدمنهوري مادة بحثية لدى الدارسين، للتعرف على سمات المجتمع قبل نصف قرن، ولتحديد ملامح الأسلوب الأدبي لدى الرواد الأوائل، وفي ذلك إثراء لتاريخ الأدب الروائي في المملكة. وإن نادي مكة الثقافي الأدبي حين يعيد طباعة روايتي (الدمنهوري) يكون قد أسهم في توفير هذه الأعمال لأجيال المثقفين الذين قد سمعوا عنها، ولم يحظوا بقراءتها، رغم أنها جديرة بالقراءة وبالدرس، وبالعناية والبحث.."
وكانت رواية «ثمن التضحية» قد صدرت في طبعتها الأولى عن دار الفكر بالرياض عام 1959م وهي أول رواية سعودية في تاريخ المملكة رصدت التحولات النفسية والفكرية التي طالت بطل الرواية بعد عودته إلى مسقط رأسه بمكة المكرمة حاملا شهادته الجامعية من مصر، وهي سيرة ذاتية للدمنهوري وترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والروسية مع روايته الثانية «ومرت الأيام» التي كتبها بين عام 1961م وعام 1962م وطبعها واصدرها في العام 1963م.
وقامت الباحثة السعودية موضي بنت عبد الله بن مقبل الخلف بتقديم بحث ماجستير في العام 2011م عن حياة الدمنهوري وأدبه وخلصت فيه إلى أنه كان أديبًا شموليًا، كتب «القصة القصيرة، والمقالة، والرواية»، ومال في مطلع شبابه إلى نظم الشعر الغنائي، وتفضيله لكتابة الرواية والقصة القصيرة، واستطاع تحويل هموم الذات إلى همومٍ موضوعية تهم المجتمع وتعنى بشؤونه، باستخدامه أساليب سردية حديثة لم تكن معروفة في المملكة، فعدَّ رائدًا للفنِ الروائي فيها، وأصبحت روايتاه «ثمن التضحية» و «ومرّت الأيام» وثيقة اجتماعية، ترصد التحولات والتغيرات في المجتمعِ المكيّ في فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات الهجرية.
بالإضافة إلى صدق عاطفته ووجدانياته؛ إذ عبر شعره عن خوالج النفس وأحاسيسها، ومال في الرواية والقصة القصيرة إلى الحوار الداخلي المشابه للشعر الوجداني، المرتبط بالنفس والمشاعر والأحاسيس، وأن هناك تشابهًا بينه وبين الروائي نجيب محفوظ في طريقة البناء الفني من حيث الاهتمام بالشخصية، واستخدام وسائل تيار الوعي، والاعتماد على التحليل النفسي، والاهتمام بالنهاية المفتوحة والبيئة، وحرصه على تصويرها من خلال فترة زمنية معينة بالتركيز على أهم تضاريسها المكانية والاجتماعية.. كما اهتم في مقالاته الاجتماعية بنقد السلوكيات الخاطئة، وحرصه على الإصلاح الاجتماعي. واتسم باللغة الراقية والمؤدبة التي تشي بحياء كاتبها والتزامه؛ فلم تظهر في جميع كتاباته تلك اللغة المكشوفة البعيدة عن الأدب والخلق القويم، وتفضيله لنوعين من التكرار، هما: تشابه الأطراف، والترديد.
ولمن لا يعرف الدمنهوري فهو من مواليد مكة المكرمة عام 1340هـ-1922م ونشأ ودرس فيها قبل أن يبتعث لاستكمال دراسته في مصر. بدأ حياته شاعرًا رومانسيا، وكتب قصائده في الصحافة السعودية آنذاك، وعمل مدرسا في مدرسة تحضير البعثات عام 1366هـ ثم مدرسا بمدرسة الأمراء بالطائف، ومفتشا في ديوان نائب الملك عبد العزيز آل سعود على الحجاز في مكة المكرمة، ثم مديرًا لإدارة الثقافة والتعليم بوزارة الداخلية، وفي عام 1370هـ عين وكيلا لوزارة المعارف السعودية، وفي عام 1375هـ أصبح مشرفا على إدارة الملحقية الثقافية السعودية بالقاهرة، وعمل مديرًا منتدبا للإذاعة السعودية، وعضو وكاتبًا في مجلة اليمامة، وأشرف على تحرير مجلة المعرفة منذ صدورها عام 1379هـ حتى وفاته في يوم السبت (18/08/1385هـ) بالرياض ودُفن بمكة المكرمة. له كتابات ومقالات وشعر في عدد من المجلات والصُحف السعودية جمعها د. عبد الله الحيدري في مُؤلَف اسماه «ابن الثقافة وأبو الرواية حامد دمنهوري مقالاته وشعره وقصصه» وله قصة قصيرة بعنوان «كل شيء هادئ». وقصائده شعريه منها «فجر، عودة الماضي، يوم الجلاء».
وبالتأكيد إن هذه القامة الأدبية وإنجازاتها تؤكد ما دعوت إليه حتى لا نكون كما قال الأديب الراحل محمد صادق دياب –رحمه الله- "حاضرا بلا ماض، أو حالة أدبية بلا ريادة" واختم دردشتي بأبيات من قصيدة «عودة الماضي» للراحل حامد دمنهوري:
هذا هو الماضي أثرتِ شجونَهُ *** حَرّى أكابدها بقلبي الموجعِ
كالكهل ناء بحمله متوكّئاً *** يشكو الزَّمانَ بصوته المتفزّع
شتّانَ بين مُشرّقٍ ومُغرّبٍ *** بين الغد الذاوي وأمسي الممرع
أصبحتُ لا أملٌ يلوح لناظري *** إلا بقيّةُ خافقٍ في أضلعي
لم يُبقِ لي يومي سوى شبحِ الهوى *** ينعى لي الماضي ولا يبكي معي
وتعقيبًا على ذلك ذكرني الصديق الأستاذ منير محمد دمنهوري بعمه الأديب والروائي والشاعر السعودي حامد حسين دمنهوري -رحمه الله-، وبعث لي رابط مقال للكاتب عبد الله عمر خياط -رحمه الله- بعنوان "نجيب محفوظ الحجاز. حامد دمنهوري"، ومقال للأستاذ فواز أبو نيان بصحيفة الجزيرة (21/03/2014م) بعنوان «حامد دمنهوري.. مقالاته.. وشعره.. وقصصه».
الأمر الذي أكد لي ما ذكرته في مقالي، فأنا شخصيًا لم أكن على اطلاع كاف بمكانة «الدمنهوري» وإنجازاته الأدبية رغم أنى قرأت اسمه وسمعته مرارًا على لسان جدي طاهر زمخشري – رحمه الله- ولعل الأمر اختلط عليّ بيوسف حسين دمنهوري -رحمه الله- الذي عمل في التلفزيون والصحافة.
فعكفت اقرأ عنه ووجدت أنه يستحق منا الذكر وتخليد سيرته فهو روائي وشاعر وإعلامي علاوة على أنه تربوي، وكان اخر منصب شغله قبل وفاته في 1385هـ وكيلًا لوزارة المعارف للشؤون الثقافية ومشرفًا على إدارة المُلحقية بالقاهرة. ووصف بأنه ابن الثقافة.. وأبو الرواية ومتعدد المواهب.
وقال عنه عبد الله عمر خياط في زاويته مع الفجر (عكاظ 30/01/2011م) بمناسبة إعادة اصدار نادي مكة الأدبي لروايتي «الدمنهوري» بأنه "كان رقيقا في حديثه، أنيقا في مظهره، مبدعا فيما كتب، ومنه، رواية «ثمن التضحية»، رواية «ومرت الأيام». أصدرهما نادي مكة الثقافي الأدبي بمناسبة تكريمه في احتفالية شارك فيها أهل الفكر والأدب بدعوة من معالي رئيس النادي الدكتور سهيل حسن قاضي، الذي كان له الفضل يوم كان مديرا لجامعة أم القرى بإحياء ليالٍ يكرم فيها كل شهر واحد من الرواد الأوائل، ومع الأسف فقد توقف ذلك بعدما غادر معاليه الجامعة".
وأورد جانب مما جاء في المقدمة التي كتبها القاضي "يجد نادي مكة الثقافي الأدبي أن من واجبه الاحتفاء بأعلام الفكر والثقافة والأدب وبخاصة أولئك الرواد والمؤسسين، من أبناء (البلد الأمين) يجد النادي أن إحياء آثار تلك النخبة التي أسهمت في التنوير، وكان لها في نهضتنا التعليمية والحضارية أثر كبير، واجب آخر يجب السعي إليه، والعمل على تحقيقه.
وفي هذا السياق وفي إطار احتفالية تكريم (نادي مكة الثقافي الأدبي) بأديب مكة المكرمة الراحل الأستاذ حامد دمنهوري، رحمه الله، يعيد النادي طباعة روايتي هذا الأديب الكبير (ثمن التضحية) و(مرت الأيام) لمكانتهما الريادية في مسيرة الرواية السعودية. والملاحظ أن مرجعية كلتا الروايتين موهبة وثقافة ورؤية واعية للأستاذ حامد دمنهوري الذي كان من أوائل من تلقوا دراساتهم العليا خارج المملكة، فكان سفيرا لقيمنا ومبادئنا لدى الآخرين، ثم كان سفيرا للثقافة العصرية في بيئة تقليدية، فكانت مسؤوليته غير عادية، وسخر موهبته الأدبية، لأداء رسالته التنويرية.
وكما كان هذا الأديب المبدع في روايته شاهدا على تلك الأيام، بمعالجة سلبياتها، وتعزيز إيجابيتها، قام بدور المصلح بإشادته بالقيم الأخلاقية، والإسهام في زرع الفضائل الإنسانية، استشراقا لغد يحمل أصالة الماضي، ومزايا العصر، وذلك ما بدأنا نفتقده في الأدب الحديث، الذي بدأ يسهم في نشر الرذيلة بدلا من الفضيلة، من خلال إفرازات شخصية، أو توجهات سياسية.
ويؤكد أديبنا حامد دمنهوري على أهمية العلم في رقي الأمم، انطلاقا من وظائفه التي تسنمها في سلم التعليم، حتى وصل إلى منصب (وكيل وزارة المعارف للشؤون الثقافية) وبحكم دوره أديبا أصيلا يحمل رسالة هادفة تجاه مجتمعه ووطنه".
وفي مقال لاحق (عكاظ 06/11/2011م) أتم الخياط ما قاله القاضي "جاءت رواية دمنهوري (ومرت الأيام)، التي أصدرها قبل وفاته بعامين، حيث صدرت في طبعتها الأولى، عن (دار العلم للملايين) في بيروت عام 1383هـ/1963م، جاءت هذه الرواية التي كان لها صدى واسع في الأوساط الفكرية والأدبية آنذاك لتؤكد ريادة هذا الأديب المكي المبدع للرواية السعودية، ومكانته السامية في المشهد الثقافي الأدبي في المملكة، وكما حظيت رواية الدمنهوري الأولى (ثمن التضحية) باهتمام إعلامي بارز، نالت روايته الثانية (ومرت الأيام) اهتماما كبيرا، بإخراجها في أعمال إذاعية وتلفزيونية، مما يدل على طبيعة روايات الدمنهوري التي تستمد أحداثها ومفرداتها من الواقع المعاش، مما يجعلها قابلة للتمثل لتكون شاهدا على زمن جميل.
وتشكل روايتا الدمنهوري مادة بحثية لدى الدارسين، للتعرف على سمات المجتمع قبل نصف قرن، ولتحديد ملامح الأسلوب الأدبي لدى الرواد الأوائل، وفي ذلك إثراء لتاريخ الأدب الروائي في المملكة. وإن نادي مكة الثقافي الأدبي حين يعيد طباعة روايتي (الدمنهوري) يكون قد أسهم في توفير هذه الأعمال لأجيال المثقفين الذين قد سمعوا عنها، ولم يحظوا بقراءتها، رغم أنها جديرة بالقراءة وبالدرس، وبالعناية والبحث.."
وكانت رواية «ثمن التضحية» قد صدرت في طبعتها الأولى عن دار الفكر بالرياض عام 1959م وهي أول رواية سعودية في تاريخ المملكة رصدت التحولات النفسية والفكرية التي طالت بطل الرواية بعد عودته إلى مسقط رأسه بمكة المكرمة حاملا شهادته الجامعية من مصر، وهي سيرة ذاتية للدمنهوري وترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والروسية مع روايته الثانية «ومرت الأيام» التي كتبها بين عام 1961م وعام 1962م وطبعها واصدرها في العام 1963م.
وقامت الباحثة السعودية موضي بنت عبد الله بن مقبل الخلف بتقديم بحث ماجستير في العام 2011م عن حياة الدمنهوري وأدبه وخلصت فيه إلى أنه كان أديبًا شموليًا، كتب «القصة القصيرة، والمقالة، والرواية»، ومال في مطلع شبابه إلى نظم الشعر الغنائي، وتفضيله لكتابة الرواية والقصة القصيرة، واستطاع تحويل هموم الذات إلى همومٍ موضوعية تهم المجتمع وتعنى بشؤونه، باستخدامه أساليب سردية حديثة لم تكن معروفة في المملكة، فعدَّ رائدًا للفنِ الروائي فيها، وأصبحت روايتاه «ثمن التضحية» و «ومرّت الأيام» وثيقة اجتماعية، ترصد التحولات والتغيرات في المجتمعِ المكيّ في فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات الهجرية.
بالإضافة إلى صدق عاطفته ووجدانياته؛ إذ عبر شعره عن خوالج النفس وأحاسيسها، ومال في الرواية والقصة القصيرة إلى الحوار الداخلي المشابه للشعر الوجداني، المرتبط بالنفس والمشاعر والأحاسيس، وأن هناك تشابهًا بينه وبين الروائي نجيب محفوظ في طريقة البناء الفني من حيث الاهتمام بالشخصية، واستخدام وسائل تيار الوعي، والاعتماد على التحليل النفسي، والاهتمام بالنهاية المفتوحة والبيئة، وحرصه على تصويرها من خلال فترة زمنية معينة بالتركيز على أهم تضاريسها المكانية والاجتماعية.. كما اهتم في مقالاته الاجتماعية بنقد السلوكيات الخاطئة، وحرصه على الإصلاح الاجتماعي. واتسم باللغة الراقية والمؤدبة التي تشي بحياء كاتبها والتزامه؛ فلم تظهر في جميع كتاباته تلك اللغة المكشوفة البعيدة عن الأدب والخلق القويم، وتفضيله لنوعين من التكرار، هما: تشابه الأطراف، والترديد.
ولمن لا يعرف الدمنهوري فهو من مواليد مكة المكرمة عام 1340هـ-1922م ونشأ ودرس فيها قبل أن يبتعث لاستكمال دراسته في مصر. بدأ حياته شاعرًا رومانسيا، وكتب قصائده في الصحافة السعودية آنذاك، وعمل مدرسا في مدرسة تحضير البعثات عام 1366هـ ثم مدرسا بمدرسة الأمراء بالطائف، ومفتشا في ديوان نائب الملك عبد العزيز آل سعود على الحجاز في مكة المكرمة، ثم مديرًا لإدارة الثقافة والتعليم بوزارة الداخلية، وفي عام 1370هـ عين وكيلا لوزارة المعارف السعودية، وفي عام 1375هـ أصبح مشرفا على إدارة الملحقية الثقافية السعودية بالقاهرة، وعمل مديرًا منتدبا للإذاعة السعودية، وعضو وكاتبًا في مجلة اليمامة، وأشرف على تحرير مجلة المعرفة منذ صدورها عام 1379هـ حتى وفاته في يوم السبت (18/08/1385هـ) بالرياض ودُفن بمكة المكرمة. له كتابات ومقالات وشعر في عدد من المجلات والصُحف السعودية جمعها د. عبد الله الحيدري في مُؤلَف اسماه «ابن الثقافة وأبو الرواية حامد دمنهوري مقالاته وشعره وقصصه» وله قصة قصيرة بعنوان «كل شيء هادئ». وقصائده شعريه منها «فجر، عودة الماضي، يوم الجلاء».
وبالتأكيد إن هذه القامة الأدبية وإنجازاتها تؤكد ما دعوت إليه حتى لا نكون كما قال الأديب الراحل محمد صادق دياب –رحمه الله- "حاضرا بلا ماض، أو حالة أدبية بلا ريادة" واختم دردشتي بأبيات من قصيدة «عودة الماضي» للراحل حامد دمنهوري:
هذا هو الماضي أثرتِ شجونَهُ *** حَرّى أكابدها بقلبي الموجعِ
كالكهل ناء بحمله متوكّئاً *** يشكو الزَّمانَ بصوته المتفزّع
شتّانَ بين مُشرّقٍ ومُغرّبٍ *** بين الغد الذاوي وأمسي الممرع
أصبحتُ لا أملٌ يلوح لناظري *** إلا بقيّةُ خافقٍ في أضلعي
لم يُبقِ لي يومي سوى شبحِ الهوى *** ينعى لي الماضي ولا يبكي معي