سطور مضيئة: طاهر زمخشري مدرسة رائدة في الشعر الغنائي والموسيقى تمنت أم كلثوم أن تغني من كلماته
أثارت صورة منشورة على حساب كنوز اليمامة في تويتر اهتمام عدد من الإعلاميين منهم الإعلامي القدير عدنان صعيدي يظهر فيها الأديب طاهر زمخشري ممسكًا بآلة العود وعلى يمينه الفنان عبادي الجوهر والملحن محمد شفيق فنشر ضمن سلسلته «وللحديث بقية» على حسابه في فيسبوك 5 حلقات كشف من خلالها اهتمام الأديب رحمه الله بالفن وعلاقته بالفنانين واحتفائهم به بمناسبة حصوله على جائزة الدولة التقديرية بمبادرة من فنان العرب محمد عبده قبل الإذاعة التي انطلق منها الأديب، وأنه كان يجيد التلحين ويلحن تحت اسم مستعار (جهاد أو رياض صالح) وتسائل "هل الأستاذ زمخشري كان يعزف على الة العود؟" وبدورها أجابت الإعلامية والكاتبة الكويتية أمل عبد الله الحمد شقيقة الفنانة سعاد عبد الله "التقيته عام ٧٧ في تونس حيث كان يقيم وكنا في رحله مع المعهد العالي للفنون المسرحية للمشاركة في مهرجان المنستير المسرحي وقد أجريت له لقاء مطول وقد دندن على العود لكن مع الأسف فقد هذا اللقاء المهم من مكتبة تلفزيون الكويت كما فقدت الكثير من المواد عام٩٠ إبان الغزو الغاشم على أرض الكويت".
كما أثار المنشور اهتمام الإذاعي المصري القدير إبراهيم خلف الذي علق "لم أسمع أن بابا طاهر غنى أو لحن .. بل الذي أعرفه أنه شاعر وأديب وقصاص من الدرجة الأولى في زمن الاتجاه نحو الكمال وتطور الموسيقى في المملكة.. لكن يكفيه فخرًا شهادات المعاصرين له من العيار الثقيل مثل عبد الله السليمان ومحمد سرور صبان، لكن طارق عبد الحكيم -رحمة الله عليه- ربما هو الذي تلقفه بما يليق بمقام واحد مثل الزمخشري في ستينيات المملكة بقصيدته الجبلية (المروتين) وكانا شابين.. وكانت قصيده ثقيلة الوزن والمقام بأبعادها المكانية والزمانية.. المروتين عباره عن لقاء السحاب الذي سجل فيها الزمخشري والحكيم عذابات الغربة وأنين الفراق. والذي أعلمه أن ناجي والعقاد وطه حسين أشادوا بهذه القصيدة على حد علمي.. قبل محمد عبده نفسه وطلال..".
وعلى تلك ضوء التفاعلات والتعليقات والاهتمام الذي حظي به هذا الموضوع رأيت أنه من المناسب أن أسلط الضوء من خلال هذه السطور المضيئة على جانب من مسيرة الأديب الفنية مع الشعر الغنائي والموسيقى. فمع تدويني لسيرته الذاتية لاحظت أنه كان محبًا للفن وأسس مدرسة أصيلة في فن الشعر الغنائي لها فكر وفلسفة ورؤية خاصَّة به للتَّعبير عن مشاعره الإنسانيَّة، فكتب أكثر من 100 نص غنائي أوشكت على الاندثار ما دفعني لتأليف كتاب عنها قيد الإصدار بعنوان «أغاني بابا طاهر – مناسبات وكلمات»، حصرت فيه 72 أغنية بألحان 25 ملحن تغنى بها 29 فنان من السعودية، مصر، لبنان، تونس، سوريا، الأردن منهم طارق عبد الحكيم، طلال مداح، عمر كدرس، غازي علي، محمد عبده، سميرة توفيق، هناء الصافي، هيام يونس، وديع الصافي، مها الجابري، جميل العاص، وغيرهم.
وتعدَّدت أغراضها ما بين المُناجاة الإلهيَّة، المُناسبات الدينية، الوطنيَّة، الاجتماعيَّة، الرياضية، فضلًا عن العاطفيَّة التي تصل بك إلى معاني الحب والوفاء، تنوعت كلماتها بين الفصحى والعامية أغلبها كانت وليدة موقف أو ذكرى أو مناسبة معينة، مع حرصه بانتقاء مفردات متداولة وشائعة في العالم العربي، وبسيطة للمثقف والعامي. واختياره اللحن والصوت المناسب لها لضمان وصول رسالته الفنية، وتقديم قالب فني متميز ومؤثر على المتلقي وممتع للفنان.
فن المجس وانطلاقته مع الشعر الغنائي
لعبت عادات وتقاليد الأفراح بمكة المكرمة دورًا بارزًا في بدايته مع كتابة النص الغنائي منذ أن كان طالبًا في مدرسة الفلاح، فقد روى رحمه الله: «كانت ليالي الأفراح بمكة المكرمة تحيا بقصائد تُسمَّى المجسَّات؛ فعندما تُوزَّع بطاقات دعوة الحفلات يُطلب من الشُّعراء المعروفين أن يُؤلِّفوا مجسَّ الموكب الخاص بليلة الدُّخلة حسب العادات والتقاليد، وموكب الدُّخلة يمشي بمجموعة من بيت العريس تضم الشيخ والعريس ومعه الجسِّيس الذي يُؤدِّي المجسَّ المُؤلَّف من أحد الشُّعراء خصِّيصًا لتلك الليلة، ومن الضروري أن تتضمَّن معاني الأبيات اسم العروس والعريس، وبمجرد وصول الموكب إلى بيت العروس تبدأ الغطاريف، ويبدأ الجسِّيس بأداء المجسِّ، وممَّن اشتُهر بأدائه آنذاك الشيخ حسن جاوا، إسماعيل كردوس، حسن لبني. وفي تلك الأثناء كنت أمارس تشطير وتخميس الأبيات الشعرية للشعراء محاولًا أن أكون شاعرًا، ولاحت لي فرصة لكتابة نصوص شعرية لمؤدي فن المجسات وكان أول مجس كتبته في فرح أُختي بالرِّضاع بنت السيد عثمان بنا حينما طُلب مني تشطير:
مرض الحبيب فزُرته فمرضت من حذري عليه
جاء الحبيب فزارني فشُفيتُ من نظري إليه
فشطرتها إلى:
مرض الحبيب فزُرته وعكفتُ أرسم وجنيته
فوجدته في شدَّةٍ فمرضتُ من حذري عليه
جاء الحبيب فزارني والحُسن عاود وجنتيه
ورنا إليَّ بلحظه فشُفيت من نظري إليه
وأعجب بها الحضور وأداها الجسيس إسماعيل كردوس، ليكون أول مجس يغنى لي، ومن حينها بدأت كأحد الشُّعراء الشُّبَّان مُتخصِّص في كتابة مجسَّات الأفراح وإحيائها بالقصائد، فيتغنَّى بها الجسِّيسون».
أما عن انتقاله من كتابة النصوص الشعرية للأفراح إلى كتابة الشعر الغنائي، فعلى ما أذكر أنني سمعت منه رحمه الله أنه عندما التقى بصديقه الشاعر أحمد رامي في القاهرة عرض عليه مجموعةً من النصوص الغنائية كان بصدد تقديمها للفنانة «هاجر صباح» التي كانت في الرابعة عشرة من عمرها لتغنيها للأطفال، فسأله «هل أصدرت ديوانًا؟ فأجابه لا، فقال رامي: أما أنا فأصدرت ديواني شعر قبل أن أكتب الأغنية، وعليك أن تُقوِّي اللغة العربية والشعر قبل أن تكتب الأغنية»، فأخذ بنصيحته، وعمل على التركيز على كتابة القصائد الشعرية.
وعندما تأسست الإذاعة السعودية وعين ضمن هيئتها التأسيسية في العام 1949م، كُلِّف بإعداد وتقديم عدد من البرامج، منها برنامج «رُكن الأطفال»، الذي اشتهر منه باسم «بابا طاهر»، وتطلب البرنامج تأليف وتلحين أناشيد للأطفال فأخذ على عاتقه القيام بذلك إلى جانب ما كان يكتبه من أشعار. وبمرور السنين تنامت وتطورت نشاطاته واسهاماته الفنية بكتابة مزيدٍ من الأغاني ليصبح رائدا من رواد كتابة النَّصِّ الغنائي في المملكة، وانطلاقة الأغنية السعودية الحديثة من الربع الخالي إلى ضفاف النيل بمصر، وجبال الأرز بلبنان، وروابي تونس الخضراء.
وكان أول فنان سعودي يغنى من أشعاره الجسيس سعيد أبو خشبة، ووفق ما أورده الأديب في لقاء له مع الصحفي الراحل محمد الوعيل نشره في كتابه "شهود هذا العصر" أن كوكب الشرق «أم كلثوم» تمنت أن تغني من أشعاره.
انطلاقته مع التلحين والموسيقى
علاوة على ريادته في كتابة النص الغنائي، فقد كان رائدًا أيضا في المجال الموسيقي حيث كانت لديه أُذُن موسيقية مكَّنته من التلحين ومشاركة الملحنين في تلحين كلمات أغانيه بمتابعة ميلاد اللحن وتقديم ما يلزم من توجيه. أو يلحن الأغنية بالكامل ويستعين بموزع لها، وكانت باكورة أعماله الموسيقية تلحين كلمات أغنيته الوطنية «البارحة عند الغروب» التي لحنها على ايقاع العرضة النجدية ووزعها له الموسيقار السوري عبد الغني الشيخ وغناها الفنان المصري عباس البليدي بمناسبة أول زيارة لجلالة الملك سعود -رحمه الله - لمصر عام 1954م كملك، وهي أول أغنية تسجل للإذاعة السعودية في تاريخها.
وامتدت نشاطاته في المجال الموسيقي والتلحين بتأسيس أول فرقة موسيقية للإذاعة ضمت (محمد علي بوسطجي عازف عود، سليمان شبانة (الدكتور) عازف كمان، سعيد شاولي عازف كمان، حمزة مغربي عازف قانون، الهرساني عازف ناي، عبد المجيد الهندي ضابط إيقاع) وكان أول عمل موسيقي لهم عزف أغنية من تأليفه وألحانه للترحيب بجلالة الملك فيصل الثاني ملك العراق في أول زيارة له للسعودية عام 1956م بثت حيًا على الهواء من إذاعة جدة والعراق ولندن.
وواصل نشاطاته مع الفن والموسيقى باكتشاف المواهب الفنية ورعايتها حتى أخذت طريقها إلى الساحة الفنية والنجومية منهم جميل محمود، غازي علي، محمد عبده، عمر الطيب، ابتسام لطفي، عايدة بوخريص وأكثر من 20 فنان وفنانة أخرين، وبالرغم من كل ما قدَّمه للفنِّ إلا أنه كان يعتبر نفسه شاعرًا وأديبًا في المقام الأوَّل؛ والفن هو الوجه الرابع أو الخامس له.
وختمت مسيرته بوفاء الأسرة الفنية له ممن تبناهم وقدمهم ودعمهم بتكريمه بمناسبة حصوله على جائزة الدولة التقديرية في حفل أقيم بفندق الكعكي بجدة (01/05/1985م) تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك حضره نيابة عنه أمين مدينة جدة م. محمد سعيد فارسي رحمهم الله جميعًا.
وعلى أي حال أرى أن جميع أعماله الفنية من كلمات وألحان تعتبر بمثابة إرث فني وأدبي ذو قيمة تاريخية للفن العربي والسعودي يستحق الحفظ والتخليد لما تضمنته من توثيق للمناسبات والأحداث الدينية والوطنية التي عاصرها، وخير من يقوم بهذه المهمة وزارة الثقافة السعودية ضمن خطتها 2030 من خلال حصر وجمع أغانيه المؤرشفه في الإذاعات والمواقع الإلكترونية المختصة بالأغاني والموسيقى العربية، وتثبيت حقوق ملكيتها الفكرية، وتوثيق كلماتها ومناسباتها وما توفر من معلومات عنها من لقاءاته الإعلامية ذات الصلة، لتكون بمثابة مرجع موثق للمهتمين بالفن السعودي وتاريخه. وإعادة إنتاج أغانيه بما يلائم عصرنا الحديث دون الإخلال بالرسالة الفنية التي أراد ايصالها ونشرها عالمياً.
طاهر عبد الرحمن زمخشري
• من مواليد مكة المكرمة 27/07/1332هـ.
• صاحب أول ديوان شعري يطبع في تاريخ المملكة «أحلام الربيع 1366هـ/1946م».
• عمل في عدة وظائف منها أمانة العاصمة بمكة المكرمة وأسهم في تأسيس بلدية الرياض والخرج والليث.
• ساهم في تأسيس الإذاعة السعودية.
• أشرف على أول نقل لصلاة جمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي، ومناسك الحج.
• إصدار أول مجلة سعودية للأطفال «مجلة الروضة 1379هـ/1959م».
• كرم بوسامين من الجمهورية التونسية 1963م و1973م، ونال جائزة الدولة التقديرية للأدب عن العام 1404هـ.
• تُرجمت بعض قصائده إلى اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية بطلب من هيئة اليونيسكو.
• توفي في 02/10/1407هـ بجدة ودفن بمقبرة المعلاة بمكة المكرمة.