المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 29 مارس 2024
محمد توفيق بلو
محمد توفيق بلو

دردشات الصومعة: طاهر زمخشري في حولية من جامعة الأزهر

ضمن البحث الاعتيادي الذي أجريه على شبكة المعلومات لمتابعة جديد ما نشر عن الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري. لفت انتباهي بحث أدبي منشور حديثًا (2021/6/1) في حولية كلية اللغة العربية - بنين بجرجا - جامعة الأزهر - العدد 25- 1442هـ - 2021م الجزء السادس. للأستاذ الدكتور عبد الحفيظ مصطفى عبد الهادي أستاذ الدراسات الأدبية، ووكيل كلية دار العلوم بجامعة أسوان. تناول موضوعًا لم الحظ أحد تناوله من قبل وهو (الإيقاعُ الداخليُّ في شعر رثاء الزوجة عند طاهر زمخشري، أنماطه ودورها في بناء المعنى).

تناول من خلاله ظواهر الإيقاع الداخلي في شعر رثاء الزوجة عند الأديب مبينًا العلاقة العضوية بين الإيقاع والدلالة، محاولًا استجلاء التمثيل الصوتي للمعاني، ومدى إسهامها في إنتاج الدلالة. وتوقف عند مظاهر الإيقاع الداخلي في شعر رثاء الزوجة عند طاهر زمخشري - جامعًا بين التنظير والتطبيق – مثل الاستعانة بأصوات المد، وبنية التكرير، وبنية التقسيم، ورد الأعجاز على الصدور، والتجنيس؛ راصدًا دور كل مظهر من مظاهر الإيقاع الداخلي في تعميق الإيقاع النفسي، وموضحًا العلاقة الوشيجة بين الانفعالات النفسية والكلمة في النص.

وخلص أن شعر طاهر زمخشري ليزخر- خاصة أشعاره في رثاء زوجه- بالغنائية الطاغية المؤثرة وارتفاع النغم؛ حيث رأى أن الشاعر وقف عند تجربة رثاء الزوجة وقوفًا مليًا، مفتنًا في إظهار مشاعره الذاتية؛ باكيًا زوجه بثماني قصائد شجية، فياضة بالحزن واللوعة والألم (صبرًا، لا تخافي، غلبت على أمري، يا ليالي، شاربات الدمع، بعد عام، ماتت، إليها) المنشورة في ديونه أنفاس الربيع 1955/1375هـ، ولعل مرارة الفجيعة ولوعة الفقد جعلت قصيدة واحدة لا تتسع لاستيعاب أحزانه وآلامه؛ لذا وجده يفرغ مشاعره وأحاسيسه في بكائياته الثمانية؛ وكأن بالشاعر؛ وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؛ كما ضاقت عليه نفسه. واستشعر الوحشة. وتجرع الآلام، فلم تستطع بكائيةً واحدة أن تعبر عن مواجده الحرّى؛ بينما استطاعت بكائياته الثمانية رصد أفكاره. والإحاطة بها. والتعبير عن ألمه القاصم، وتصوير أساه وكمده، وتجسيد حزنه القاصم المرير، وقد تآزرت البنية الإيقاعية في هذه الأشعار مع الجانب الدلالي والمعنوي الذي راغ الشاعر التعبير عنه، والإيحاء به.

هذا وأبان توظيف الإيقاع الداخلي في شعر رثاء الزوجة عند طاهر زمخشري عن حس رهيف مكين أغنى به شاعرنا نسيجه، وخدم به دلالاته، فضلًا عن ذلك التوازن الإيقاعيَّ الذي تطرب له الآذان، ويُرضي حاجات في نفس الشاعر؛ حيث يعد تنغيم النسيج وتشكيله من أخطر وسائل الشاعر لتوصيل تجربته‎،‏ والتعبير عن إحساسه؛ مستشهدًا برأي الناقد الدكتور علي عباس علوان رحمه الله «أن للشاعر الجيد أساليبه الذكية والخفية التي يستطيع بها أن يلون نسيجه تلوينا غاية في الجمال والحذاقة، بحيث تترك في نفوسنا - دون استئذان- ذلك الإرنان والتنغيم اللذين يفعلان فعلهما السحري في نقل مضمون القصيدة، وتوصيل تأثيراتها المطلوبة، وتتضح هذه الأساليب عادة في الأعمال الأدبية الرفيعة، وبخاصة في الشعر الغنائي، بحيث يبدو الجانب الصوتي عاملًا مهما في البنية العامة للنسيج».

واعتمد الباحث على العديد من المراجع منها العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق، أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني، معجم الأدباء والكتاب – الموسوعة الثقافية الشاملة للمملكة العربية السعودية 1990م، الموجز في تاريخ الأدب العربي السعودي عمر الطيب الساسي 1995م، الصور الاستعارية في شعر طاهر زمخشري - غادة عبد العزيز دمنهوري 1421-1422هـ، أنفاس الربيع - طاهر زمخشري.

يذكر أن زوجه الأديب طاهر زمخشري هي بنت خاله «آمنة» تزوجا في ثلاثينيات القرن الميلادي الماضي، وتوفيت في الأربعينيات بداء السل وهي في مشارف الـ 27 من عمرها، بعدما أنجبت له (سميرة، فؤاد، كوثر، ابتسام) ولم يتزوج بعدها واكتفى برثائها والعيش على ذكراها، فذكرها في مقدمة ديوانه «عودة الغريب» بصيغة رسالة أدبية لابنته «ابتسام» نُشرت في مقالي «دردشات الصومعة: طاهر زمخشري إلى «ابتسام» قبل 6 عقود من رحيلها بكورونا» https://garbnews.net/articles/s/5067 مما جاء فيها "كانت معي شريكة حياتي، ورفيقتي في الكفاح والدتك يرحمها الله.. التي كانت أقدر مني على احتمال الكارثة متى ثار إعصارها.. لم أكن أعتز بقدرتها هذه وحدها بل كانت فوق ذلك المشجع الذي يدفعني إلى السير كلما تعثرت بي الخطى، وهصرني الألم، وعصفت بي الشجون... في تلك الظروف السيئة التي كنا نعيشها معًا شجعتني على الاغتراب وأنا خلو الوفاض، زادي الأمل، وشراعي الصبر، واعتمادي على الله الذي يكفل الرزق ويمنح السراء ويكشف الضراء.. فغادرت الوطن وتركتها وفي يدها أختاك وأخوك، وأنت في أحشائها لم تصافحي النور بعد، وغبت شهورًا بلغ فيها بي اليأس منتهاه، فكتبت إليها من مصر أشرح لها فيها ما أعانيه.. وأترك لها حرية تسمية المولود حتى وضعته وأنا لا أزال في الغربة. وفعلًا تسلمت الرسالة بعد أن وضعت المولود بأربعة أيام، وبكت من أجلي طويلًا، وحررتْ لي جوابًا تقول فيه: «ابتسم للحياة، وإننا في مقتبل العمر، وقد صافحت ابتسام الحياة فعلًا بالمولودة التي وضعتها» هذه المولودة هي أنت يا ابنتي الحبيبة!!
ولكن لم أكد أعود إلى الوطن وفي يدي ديواني الأول أحلام الربيع حتى وجدتها تقاوم العلة، وتصارع الداء، وشاء القدر أن يقول كلمته فافترستها يد المنون؛ وقد تخطيت الحول الأول من عمرك المديد إن شاء الله بأيام معدودات، ومن يومها وأنا أردد كلما تذكرتها..
هي في أكفانها نائمة وأنا الساهر وحدي للأنين
لو تقاسمنا الردى من يومها كنت في قبري بين النائمين".

وبالعودة إلى البحث أشيد بما قدمه الباحث من مادة أدبية لامست جانب انساني هام من حياة الأديب لم يتوقف عنده الكثير. وأكد أن أشعاره لا تزال حيه وتثير إعجاب واهتمام الباحثين والدارسين للأدب في عالمنا العربي من أقصاه إلى أدناه.
وبما أننا في مطلع موسم دراسي جديد، يفكر فيه الكثير من الطلاب والباحثين خصوصًا في الأقسام الأدبية البحث عن شعراء ومواضيع عنهم لتناولها في أبحاثهم ودراساتهم لهذا العام، فإنني أدعوهم بالأخذ في الاعتبار المدرسة الشعرية الرَّبيعية الحجازيَّة التي سماها الأديب بهذا الاسم نسبةً إلى الشَّاعر عمر بن أبي ربيعة. أو دراسة اغراضه الشعرية الأخرى التي لم تبحث من قبل كشعره السياسي، وقضية فلسطين التي خصها بديون (من الخيام)، وعمل المرأة وأثره على المجتمع وغير ذلك، فهو أحد الأعلام السُّعوديين الذين أثروا الأدب والفكر والإعلام في العصر الحديث، واختم دردشتي هذه بأبيات من قصيدته «غُلبت على أمري» التي مهرها بقوله "وكانت في ليلتها الأخيرة هادئة مستغرقة في شبه غيبوبة الحالم فتهيأ لينام ولكن":
غُلبتُ على أمري وأصبحت ليس لي *** سواك وحتى أنت ضمتك أكفان
وأسأل نفسي ما دهاها فلم تعد *** تكفكف دمعي والمدامع طوفان
وأسأل من حولي: أنامت؟ فقيل لي *** نعم إنها نامت وإنك يقظان
فقلت: إذن سووا عليها غطاءها *** ففي صدرها من وقدة الداء نيران
ولكنها أغفت ولم تصح بعدها *** فقالوا: عزاء، قلت: ذلك بهتان
يقولون لي: ماتت فقلت: أنا الذي *** أموت وحسبي أن قلبي أسوان
 2  0  23.1K