خدمات الشحن والتوصيل.... تساؤلات مشروعة
عملت التقنية الحديثة على رفاهية الإنسان وتقريب المنتجات بين يديه وتسهيل عملية الحصول عليها ولا يكاد يخلو متطلب من متطلبات الحياة (أدوية غذاء اكسسوار تجميل كتب ....) إلا وهو متوفر يمكنك جلبه من أي مكان بالعالم وتعمل القطاعات المنتجة على ترويج إمكانية الوصول إلى المنتج ليكون بين يديك بدون أي مجهود سوى الطلب الإلكتروني فحسب.
هذا الجانب الإيجابي لخدمات الشحن والتوصيل يجعلنا نتأمل ونتروى في هذه الخدمات عندما نطرح بعض التساؤلات المشروعة :
* اختراق خصوصية الإنسان حيث تتعرف الشركات على الأمراض التي تعاني منها ونوع الغذاء الذي تأكله والقيمة المالية للتسوق والقدرة الشرائية التي تتمتع بها فيصبح الإنسان مكشوفا تماما أمام هذه التقنية حتى مقر سكنه ومحل إقامته والحقيقة أن هذا الأمر يجعل الإنسان الحديث بلا خصوصية.
* التشجيع على التسلع والاستهلاك فما عليك سوى الدخول على الموقع الإلكتروني وطلب ما تريد وهنا يجد الإنسان نفسه ربما يشتري أشياء لا يحتاج إليها أو يسرف في الطعام والشراب بدون أن ينتبه.
وهذا الأمر يستنزف الفرد ماليا ويجعل فكرة الادخار والاعتدال في الإنفاق أضغاث أحلام.
* سجن الإنسان ومحاصرته فليس المطلوب منك الحركة والتنقل المطلوب أن تجلس في بيتك وكل العالم بين يديك وهذا يتنافى مع مقصد الشريعة في أهمية حركة الإنسان في الأرض والاحتكاك المتبادل والسير في الأرض للاعتبار والعظة وتبادل الخبرات فترى البشر في كل صورهم وفي كل نجاحاتهم وإخفافاتهم في فقرهم وغناهم في صحتهم ومرضهم وهذا لا يتحقق إلا بخروجك من بيتك والاحتكاك بالناس
أما حبس الإنسان في داخل بيته من خلال توفير احتياجاته إلكترونيا فهذا يخالف الفطرة السليمة.
* إغلاق دائرة العقل الإنساني حيث إنك مجبر في الوقت الذي تظن فيه أنك مخير حيث تخضع اختياراتك للمتاح فقط عبر الموقع الإلكتروني وتحفيزك على الاختيار منه وفي هذا حجر على العقل البشري أن يصول ويجول ويجدد وببدع لأنه أصبح عقلا مدربا على الاختيار لا على الابتكار
* الجفاف العاطفي وفقر الدم الوجداني بين ذوي الأرحام ويبوسة العلاقات الاجتماعية فبإمكانك التواصل مع أي محل هدايا وزهور وإرسال الهدية لمن تريد وتصله عبر خدمات الشحن والتوصيل
لكن السؤال هنا هل حققت الهدية قيمتها المنشودة أم جعلت الإنسان مجرد مادة
لقد وقع لي هذا أرسل لي صديق هدية عبر خدمات الشحن فما وجدت لها أثرا ولا قيمة شعرت أنني أصبحت مادة فحسب وبدون قصد وجدت في داخلي نفرة من هذه الهدية لدرجة أني لم استعملها بدون ترتيب مني رغم مرور سنوات عليها.
فكيف يتعرف على ملامح فرحتي بهديته وامتناني بقدومه شخصيا لتقديمها
ويقاس على هذا زيارة المرضى مثلا وذوي الأرحام ولقد فهمت جيدا الحديث القدسي الذي يشير لزيارة المريض ( إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟) حديث صحيح
وفهمت جيدا قول النبي صلى الله عليه وسلم :( ما مِن مُسلِمٍ يعودُ مُسلِمًا غدوةً ؛ إلَّا صلَّى عليهِ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُمْسِيَ ، وإن عاد عَشيَّةً ؛ إلَّا صلَّى عليهِ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُصْبِحَ ، وكان لهُ خَريفٌ في الجنَّةِ) حديث صحيح
ونفهم الجانب المادي في الهدية عندما أشار القرآن الكريم على لسان ملكة سبأ (وإني مرسلة إليهم بهدية) فهي لم تذهب بها بنفسها لأنه لا يعنيها الجانب الوجداني العاطفي للهدية ولذلك كان رد سليمان عليه السلام على الهدية (أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون)
ويظهر هنا الفرق بين الشحن والتوصيل وبين الحضور الفعلي ولا يدخل معي هنا الحالات التي تتطلب عدم زيارتها.
وأؤكد للقارىء أنه من المعلوم الجوانب الإيجابية لخدمات الشحن والتوصيل متى اقتضت الضرورة ذلك
ولكن هذه تساؤلات دارت بذهني حول خدمات الشحن والتوصيل أردت أن يشاركني القارىء فيها لنستطيع أن نتبصر موضع أقدامنا ونحلل بتؤدة الظواهر المحيطة بنا.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
أ. د. إبراهيم طلبة
أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي
هذا الجانب الإيجابي لخدمات الشحن والتوصيل يجعلنا نتأمل ونتروى في هذه الخدمات عندما نطرح بعض التساؤلات المشروعة :
* اختراق خصوصية الإنسان حيث تتعرف الشركات على الأمراض التي تعاني منها ونوع الغذاء الذي تأكله والقيمة المالية للتسوق والقدرة الشرائية التي تتمتع بها فيصبح الإنسان مكشوفا تماما أمام هذه التقنية حتى مقر سكنه ومحل إقامته والحقيقة أن هذا الأمر يجعل الإنسان الحديث بلا خصوصية.
* التشجيع على التسلع والاستهلاك فما عليك سوى الدخول على الموقع الإلكتروني وطلب ما تريد وهنا يجد الإنسان نفسه ربما يشتري أشياء لا يحتاج إليها أو يسرف في الطعام والشراب بدون أن ينتبه.
وهذا الأمر يستنزف الفرد ماليا ويجعل فكرة الادخار والاعتدال في الإنفاق أضغاث أحلام.
* سجن الإنسان ومحاصرته فليس المطلوب منك الحركة والتنقل المطلوب أن تجلس في بيتك وكل العالم بين يديك وهذا يتنافى مع مقصد الشريعة في أهمية حركة الإنسان في الأرض والاحتكاك المتبادل والسير في الأرض للاعتبار والعظة وتبادل الخبرات فترى البشر في كل صورهم وفي كل نجاحاتهم وإخفافاتهم في فقرهم وغناهم في صحتهم ومرضهم وهذا لا يتحقق إلا بخروجك من بيتك والاحتكاك بالناس
أما حبس الإنسان في داخل بيته من خلال توفير احتياجاته إلكترونيا فهذا يخالف الفطرة السليمة.
* إغلاق دائرة العقل الإنساني حيث إنك مجبر في الوقت الذي تظن فيه أنك مخير حيث تخضع اختياراتك للمتاح فقط عبر الموقع الإلكتروني وتحفيزك على الاختيار منه وفي هذا حجر على العقل البشري أن يصول ويجول ويجدد وببدع لأنه أصبح عقلا مدربا على الاختيار لا على الابتكار
* الجفاف العاطفي وفقر الدم الوجداني بين ذوي الأرحام ويبوسة العلاقات الاجتماعية فبإمكانك التواصل مع أي محل هدايا وزهور وإرسال الهدية لمن تريد وتصله عبر خدمات الشحن والتوصيل
لكن السؤال هنا هل حققت الهدية قيمتها المنشودة أم جعلت الإنسان مجرد مادة
لقد وقع لي هذا أرسل لي صديق هدية عبر خدمات الشحن فما وجدت لها أثرا ولا قيمة شعرت أنني أصبحت مادة فحسب وبدون قصد وجدت في داخلي نفرة من هذه الهدية لدرجة أني لم استعملها بدون ترتيب مني رغم مرور سنوات عليها.
فكيف يتعرف على ملامح فرحتي بهديته وامتناني بقدومه شخصيا لتقديمها
ويقاس على هذا زيارة المرضى مثلا وذوي الأرحام ولقد فهمت جيدا الحديث القدسي الذي يشير لزيارة المريض ( إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟) حديث صحيح
وفهمت جيدا قول النبي صلى الله عليه وسلم :( ما مِن مُسلِمٍ يعودُ مُسلِمًا غدوةً ؛ إلَّا صلَّى عليهِ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُمْسِيَ ، وإن عاد عَشيَّةً ؛ إلَّا صلَّى عليهِ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُصْبِحَ ، وكان لهُ خَريفٌ في الجنَّةِ) حديث صحيح
ونفهم الجانب المادي في الهدية عندما أشار القرآن الكريم على لسان ملكة سبأ (وإني مرسلة إليهم بهدية) فهي لم تذهب بها بنفسها لأنه لا يعنيها الجانب الوجداني العاطفي للهدية ولذلك كان رد سليمان عليه السلام على الهدية (أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون)
ويظهر هنا الفرق بين الشحن والتوصيل وبين الحضور الفعلي ولا يدخل معي هنا الحالات التي تتطلب عدم زيارتها.
وأؤكد للقارىء أنه من المعلوم الجوانب الإيجابية لخدمات الشحن والتوصيل متى اقتضت الضرورة ذلك
ولكن هذه تساؤلات دارت بذهني حول خدمات الشحن والتوصيل أردت أن يشاركني القارىء فيها لنستطيع أن نتبصر موضع أقدامنا ونحلل بتؤدة الظواهر المحيطة بنا.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
أ. د. إبراهيم طلبة
أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي