المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024
د.منى بنت علي الحمود
د.منى بنت علي الحمود

من قال واعزاه لو كان كاذب

اهتم الفلاسفة بمبحث الأخلاق بالرغم من أن معظم طروحاتهم كانت وبلا أدنى شك مغردة خارج سرب الأخلاق!!؛ فعندما قسم أفلاطون صاحب المدينة الفاضلة المجتمع إلى ثلاثة طبقات كان نموذجا عن التميز العنصري ونظرة التعالي التي دفعت بالإنسان إلى تحقير ما دونه من طبقات ،واحتكار المعرفة والحقيقة خلف أبواب ونوافذ طبقته الارستقراطية، ومع ذلك فقد نادى أفلاطون وغيره من الفلاسفة إلى فضيلة الصدق، وميزوا الفيلسوف بها باعتباره الإنسان اللصيق للحقيقة والمخول للكشف عنها من خلال طرح الأسئلة الفلسفية أو تلقفها..وبالمقابل نظروا إلى الكذب على أنه آفة اجتماعية وصنفوه في قائمة الشر والرذيلة.. وقد نعتته الفلسفات ذات الأصول الدينية بالذنب؛ بالرغم من تجاوزهم عن بعض أشكال الكذب والتي تحظى بالشرعية كدفع الظلم عن النفس والكذب الذي تقف خلفه نوايا فاضلة.
يتحيز الكثير من الفلاسفة لاسيما من تعمقوا في بحر علم الأخلاق ضد الكذب ؛فيرون أنه شر محظ ورذيلة مطلقة، وهم يقوضون وهم الكذب اللا إرادي أوالكذب بحسن النية، ويجعلون الحقيقة هي أعلى قائمة تفضيلات البشر بل وأقدسها.
غير أن الكذب مفهوم في غاية التعقيد لاسيما إذا قدمناه على مائدة علم النفس والاجتماع،
ولكون الكذب على إطلاقه يقع لغويا بين نقيضين هما "الحكي" و"السكوت".. بمعنى هو قول غير الحقيقة أو السكوت عنها، وهذا مما جعل هذه القيمة أكثر تعقيدا..كما أن من يكذب لا يقول الحقيقة ولكن من لا يقول الحقيقة فليس يكذب على إطلاقه .. لا بل ويرى بعض الفلاسفة أن من يكذب عن علم هو كمن يقول حقيقة،وعلى هذا الأساس فنحن سنكون مضطرين للكذب يوميا!!؛فمهما جاهدنا أنفسنا على قول الحقيقة ؛فلن تكون الفرص والظروف متاحة لنا في كل الأحوال ألا نسكت عنها!!؛ فقد نخفي مشاعرنا الحقيقية أحيا لسبب أو لآخر ،وقد نخفي حقيقة بعض الأمور لأن الزمان أوالمكان أو الأشخاص غير مناسبا لها أولم نُسأل عنها وفي حديثنا عنها مثارة للجدل والخلاف،وقد نخفي بعضا من الحقائق مراعاة لمشاعر الآخرين أو لجهلنا بها فنحن لا نكذب عندما نزعم أشياء خاطئة نعتقد أنها صحيحة ونؤمن بها.. من جانب آخر فما معيار أو محك الكذب هل هو مخالفة الواقع؟، أم مخالفة العرف؟..أم مخالفة العلم؟ أم ماذا!! ،وما الذي يبرر كذبة جدتي المصونة عندما كانت تخترع تلك الأساطير الخلاقة التي تسلب عقولنا منا مهما كبرنا!!،أو كذبات أمي التي كلما اعتصرتها الحياة أخفت عنا دموعها بكذبة "كنت أصلي وأدعي ربي"، وماالمثل الشعبي الشهير:"من قال واعزاه لو كان كاذب" إلا مروجا لفكرتي هذه، وهنا نضمن حقنا بالكذب ولو لمرة واحدة.
 0  0  12.1K