حروف مبعثرة ..
بين الصبا والكبر
ذكريات أيام !!!
ذكريات أيام !!!
أشار عليّ أحدهم سرد محطات الذكريات التي مرت بي مذ ساعة ادراكي مرورا بعمر الصبا وحتى الساعة ..
أجبته أنه قد لا أحد يستفيد منها إن لم تكن ملولة للقارئ الكريم .. فكثير من عباد الله في أرضه لهم تجارب ومحطات مماثلة .. أو تزيد , فيها من العبر والمواقف والحكم ما يمكن الإستفادة منه .. تفوق ما يتوقع أن ابينه هنا ..
أصر أن السرد يعد من باب تنشيط الذاكرة قد يعين لأخذ القارئ الكريم لمنحنى أخر فيه من التشويق لبعض الصور ممن مرت عليهم رحلة العمر , نسأل الله أن تكون خاتمتها على ما يرضيه ..
سؤاله وإلحاحه اعادني للوراء قليلا ببعض من الإدراك الذي أحاول تذكر أحداثه عندما كنت طفلا في الخامسة من العمر وتحديدا في عام 1380هـ المقابل 1960م في قريتي الصغيرة القابعة بين الجبال يخترقها وادي حلي المعروف وقتها بجريان مياهه صيفا وشتاء .. بمحافظة رجال المع بمنطقة عسير ..
هذه المحافظة تعد من المحافظات الغنية بالأراضي الزراعية ماجعل سكانها يعملون بزراعة حبوب البجيدة البيضاء والزعر .. والدخن والخرمد وغيرها ..
أذكر ليلتها ووالدتي تحزم قليل من المتاع والثياب المهترئ اكثرها لندرتها في ذلك الوقت تحاول لملمة حاجياتها الخاصة وادخال اعواد الحطب التي جلبتها من الجبال المطلة على مزارعنا مثلها مثل نسوة أهل القرية أملا في أن تعود لتجد الفائدة منها حتى لا تتلف بفعل عوامل الطبيعة وهطول الأمطار ..
كانت والدتي في مغرب ذلك اليوم قد أنهت أكثر ما تحتاج حفظة بمساعدة ( عمتي ) أخت والدي حتى تعود ( وإن كان ذلك في علم الغيب ومتى ستكون العودة ؟؟) بعد أن قامت بحفظ كل شيْ في ذلك البيت الطيني ولا سواه .. تتنقل بين جوانبه وهي تذرف الدموع على فراق المكان والأهل والجيران .. والعشيرة والقبيلة .. فكل زاوية وركن ترى فيه أصلا لا يتجزأ من حياتها ..
كم هو صعب الفراق على كثير عندما تكون الذكريات مؤلمة مبكية لمن لا يستطيع الإحتمال وقد تكون المسببات دافعا قويا للرحيل مهما كانت النتائج مؤثرة في النفس ..
طفلُ وقتها يلعب ويمرح لا يعي ما يدور حوله .. سوى أنه يرى والدته ومن معها يلملمون بعض بقايا متاع وكأنه أزف الرحيل .. كانت الشمس قد أذنت بالمغيب ونسوة البيت يستعدن لتنظيف فانوس القاز الوحيد الذي لا يملكه الكثير من أهل قريتي وقتها .. فالفانوس يحتاج لتجهيز حتى يستطيع الصمود شاعا نوره لفترة ساعتين لا أكثر ثم بعدها يطفآ حفاظا على ذبيلته وتوفيرا لقازه ..
وينقضي الليل تحت لطف وعناية أرحم الراحمين يحفظهم وغيرهم من الحشرات والسوائب والهوام كما يسميها أهل قريتي أيا كانت هذه المخلوقات سواء التي تمشي على الأرض او السائبة من عقارب وحيات وثعابين .. بحكم طبيعة القرية الزراعية وتعدد الأحراش والبيوت الحجرية والممرات الضيقة .. فذاك هو طابع الحياة في قرية زراعية كقريتي جنوب مملكتنا الحبيبة .
لا أذكر اسم اليوم من أيام الأسبوع .. لكن كنت أذكر ان الفانوس ليلتها عُلق بخطاف حديدي مثبت هوكذلك في ( سطاع ) تلك الحجرة الوحيدة ذلك الخطاف المعلق من طرفيه بسلسلة صدئه تحكي ثبات الحال بعمر السنين التي مرت عليها ..
( والسطاع ) بلغة قريتي جذع شجرة كبير يحمل سقف تلك الغرفة له شكل حرف ال Y يتوسط عود أكبر منه حجما وطولا يسمى ( المعدل ) كليهما من اشجار السدر التي تشتهر بها قريتي وكافة قرى رجال المع المتناثرة في جنبات المزراع والجبال .. مسقوفة ببعض المراكب التي هي عبارة عن مراين بعضها مستو والبعض متعرج بحكم المتوفر لكنها قريبة التجانس مع بعضها تصف بجانب بعضها البعض لتستطيع حمل عيدان صغيرة من شجر المض والعتم والسدر وغيرها بأوراقها الخضراء المرصوصة هي الأخرى جنبا الى جنب على تلك السواري ثم يُهال عليها جميعها تراب من طين المزراع .. يقوم البنائون بدكه دكا بأقدامهم حتى يتماسك تماما ليمنع نزول الماء داخل البيوت الطينية وقت هطول الأمطار ..
فعلا كانت طرق بدائية متعبة مكلفة لكنها كانت مجدية في زمن جبابرة الرجال صناديد الجهد والعطاء لجأ اليها سكان تلك القرى ولا وسيلة لديهم او طريقة غير ذلك ..
بعد جهد وعناء والدتي ومن معها جاء وقت العشاء ما بين صلاة المغرب والعشاء .عبارة عن كسرة خبز على قليل من الماء المجلوب على ظهور النساء من البئرالمجاورة للمساكن في القرب المصنوعة من جلود الحيوانات المذبوحة وقت الآضاحي او لضيف عزيز .. أو مع قليل من اللبن الرايب لمن يملك شاة او شاتين وقد لا يكون لا هذا ولا ذاك فالحال ما يعلمه الله كل وما يسر له ..
الأسبوع القادم بحول الله لي معكم تكملة لمشاهدات تلك الليلة لما قبل النوم .. احكيها فإلى لقاء .. وسامحوني ...
أجبته أنه قد لا أحد يستفيد منها إن لم تكن ملولة للقارئ الكريم .. فكثير من عباد الله في أرضه لهم تجارب ومحطات مماثلة .. أو تزيد , فيها من العبر والمواقف والحكم ما يمكن الإستفادة منه .. تفوق ما يتوقع أن ابينه هنا ..
أصر أن السرد يعد من باب تنشيط الذاكرة قد يعين لأخذ القارئ الكريم لمنحنى أخر فيه من التشويق لبعض الصور ممن مرت عليهم رحلة العمر , نسأل الله أن تكون خاتمتها على ما يرضيه ..
سؤاله وإلحاحه اعادني للوراء قليلا ببعض من الإدراك الذي أحاول تذكر أحداثه عندما كنت طفلا في الخامسة من العمر وتحديدا في عام 1380هـ المقابل 1960م في قريتي الصغيرة القابعة بين الجبال يخترقها وادي حلي المعروف وقتها بجريان مياهه صيفا وشتاء .. بمحافظة رجال المع بمنطقة عسير ..
هذه المحافظة تعد من المحافظات الغنية بالأراضي الزراعية ماجعل سكانها يعملون بزراعة حبوب البجيدة البيضاء والزعر .. والدخن والخرمد وغيرها ..
أذكر ليلتها ووالدتي تحزم قليل من المتاع والثياب المهترئ اكثرها لندرتها في ذلك الوقت تحاول لملمة حاجياتها الخاصة وادخال اعواد الحطب التي جلبتها من الجبال المطلة على مزارعنا مثلها مثل نسوة أهل القرية أملا في أن تعود لتجد الفائدة منها حتى لا تتلف بفعل عوامل الطبيعة وهطول الأمطار ..
كانت والدتي في مغرب ذلك اليوم قد أنهت أكثر ما تحتاج حفظة بمساعدة ( عمتي ) أخت والدي حتى تعود ( وإن كان ذلك في علم الغيب ومتى ستكون العودة ؟؟) بعد أن قامت بحفظ كل شيْ في ذلك البيت الطيني ولا سواه .. تتنقل بين جوانبه وهي تذرف الدموع على فراق المكان والأهل والجيران .. والعشيرة والقبيلة .. فكل زاوية وركن ترى فيه أصلا لا يتجزأ من حياتها ..
كم هو صعب الفراق على كثير عندما تكون الذكريات مؤلمة مبكية لمن لا يستطيع الإحتمال وقد تكون المسببات دافعا قويا للرحيل مهما كانت النتائج مؤثرة في النفس ..
طفلُ وقتها يلعب ويمرح لا يعي ما يدور حوله .. سوى أنه يرى والدته ومن معها يلملمون بعض بقايا متاع وكأنه أزف الرحيل .. كانت الشمس قد أذنت بالمغيب ونسوة البيت يستعدن لتنظيف فانوس القاز الوحيد الذي لا يملكه الكثير من أهل قريتي وقتها .. فالفانوس يحتاج لتجهيز حتى يستطيع الصمود شاعا نوره لفترة ساعتين لا أكثر ثم بعدها يطفآ حفاظا على ذبيلته وتوفيرا لقازه ..
وينقضي الليل تحت لطف وعناية أرحم الراحمين يحفظهم وغيرهم من الحشرات والسوائب والهوام كما يسميها أهل قريتي أيا كانت هذه المخلوقات سواء التي تمشي على الأرض او السائبة من عقارب وحيات وثعابين .. بحكم طبيعة القرية الزراعية وتعدد الأحراش والبيوت الحجرية والممرات الضيقة .. فذاك هو طابع الحياة في قرية زراعية كقريتي جنوب مملكتنا الحبيبة .
لا أذكر اسم اليوم من أيام الأسبوع .. لكن كنت أذكر ان الفانوس ليلتها عُلق بخطاف حديدي مثبت هوكذلك في ( سطاع ) تلك الحجرة الوحيدة ذلك الخطاف المعلق من طرفيه بسلسلة صدئه تحكي ثبات الحال بعمر السنين التي مرت عليها ..
( والسطاع ) بلغة قريتي جذع شجرة كبير يحمل سقف تلك الغرفة له شكل حرف ال Y يتوسط عود أكبر منه حجما وطولا يسمى ( المعدل ) كليهما من اشجار السدر التي تشتهر بها قريتي وكافة قرى رجال المع المتناثرة في جنبات المزراع والجبال .. مسقوفة ببعض المراكب التي هي عبارة عن مراين بعضها مستو والبعض متعرج بحكم المتوفر لكنها قريبة التجانس مع بعضها تصف بجانب بعضها البعض لتستطيع حمل عيدان صغيرة من شجر المض والعتم والسدر وغيرها بأوراقها الخضراء المرصوصة هي الأخرى جنبا الى جنب على تلك السواري ثم يُهال عليها جميعها تراب من طين المزراع .. يقوم البنائون بدكه دكا بأقدامهم حتى يتماسك تماما ليمنع نزول الماء داخل البيوت الطينية وقت هطول الأمطار ..
فعلا كانت طرق بدائية متعبة مكلفة لكنها كانت مجدية في زمن جبابرة الرجال صناديد الجهد والعطاء لجأ اليها سكان تلك القرى ولا وسيلة لديهم او طريقة غير ذلك ..
بعد جهد وعناء والدتي ومن معها جاء وقت العشاء ما بين صلاة المغرب والعشاء .عبارة عن كسرة خبز على قليل من الماء المجلوب على ظهور النساء من البئرالمجاورة للمساكن في القرب المصنوعة من جلود الحيوانات المذبوحة وقت الآضاحي او لضيف عزيز .. أو مع قليل من اللبن الرايب لمن يملك شاة او شاتين وقد لا يكون لا هذا ولا ذاك فالحال ما يعلمه الله كل وما يسر له ..
الأسبوع القادم بحول الله لي معكم تكملة لمشاهدات تلك الليلة لما قبل النوم .. احكيها فإلى لقاء .. وسامحوني ...