المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 20 أبريل 2024
محمد توفيق بلو
محمد توفيق بلو

كلام رمضان: كلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم

كما جرت العادة بأن أطل على قرائنا الأعزاء في مثل هذا الوقت من كل عام بمواضيع مرتبطة بشهر رمضان المبارك تاريخياً أو اجتماعياً عبر هذه النافذة «كلام رمضان» فابدأ هذا العام بالتهنئة بالشهر الكريم والدعاء بأن يتقبل الله من الجميع صالح الأعمال، وأن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليُمن والبركات.

وحيث أن أولى متطلبات إحياء هذا الشهر الكريم هو الصيام الذي يبدأ بالإمساك عن الأكل والشرب فقد ورد في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ بلَالًا يُؤَذِّنُ بلَيْلٍ، فَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُنَادِيَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ قالَ: وكانَ رَجُلًا أعْمَى، لا يُنَادِي حتَّى يُقالَ له: أصْبَحْتَ أصْبَحْتَ». رواه البخاري.

فمن هو هذا الرجل الأعمى الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بالإمساك لأذانه؟ وما الحكمة من تفضيله بأذان الفجر على بلال بن رباح المبصر؟

إنه الصحابي الجليل عبد الله أو عمرو بن أم مكتوم القرشي العامري وابن خال أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وأمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية.

عرف بأنه ضرير (أعمى)، ولم يعقه ذلك من أن يكون أحد السابقين للإسلام ومن أول المهاجرين إلى المدينة بعد مصعب بن عمير ومن علماء الصحابة وحفاظ القرآن الكريم ومعلميه، كما عرف بكرم خُلقه ورأيه السديد وعذوبة وجمال صوته مّا دفع النبي صلى الله عليه وسلم بجعله مؤذنًا للصلاة مع بلال بن رباح، فإذا أذن بلال اقام الصلاة ابن ام مكتوم والعكس. واستخلفه الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة المنورة عدة مرات في غزواته وفي حجة الوداع، ولقب بشهيد القادسية فقد قال «أقيموني بين الصفين وحملوني اللواء أحمله لكم وأحفظه، فأنا أعمى لا أستطيع الفرار» وبالفعل حملوه الراية في تلك المعركة التي كانت بين جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص وجيش الفرس في 13 شعبان 15هـ واستشهد فيها.

وعلاوة على ذلك تكريمه بإنزال ووحي فيه 3 مرات أولها حينما عاتب الله نبيه الكريم بشأنه في قوله تعالى «عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2) حتى قوله تعالى (كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)» فقد روي بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان منشغلاً بدعوة صناديد قريش (عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب) لدخول الإسلام أو كف أذاهم عن أصحابه فتتبعهم قريش في ذلك، فأقبل إليه عبد الله بن أم مكتوم وأخذ يقول له علمني مما علَّمك الله، فلما أكثر عبد الله عليه انصرف عنه النبي صلى الله عليه وسلم عابسًا فنزلت آيات سورة عبس، وعلى اثر ذلك العتاب حرص النبي على إكرام ابن أم مكتوم وكان صلى الله عليه وسلم يفرش له ردائه ويقول له "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي".

والثانية حينما رُخص له القعود عن القتال مع الرسول صلى الله عليه وسلم ونيل أجر المجاهدين فقد روي عن ثابت بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نزلت (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)، فقال عبد الله بن أم مكتوم: أي ربي أنزل عذري، أنزل عذري، فأنزل الله: (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ)، فجعلت بينهما.

وفي رواية أخرى عن زيد بن ثابت قال: كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سري عنه: فقال: اكتب، فكتبت في كتف: «لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) إلى آخر الآية، فقال ابن أم مكتوم - وكان رجلا أعمى - لما سمع فضل المجاهدين: يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين فلما قضى كلامه غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي فوجدت ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ يا زيد، فقرأت: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} الآية، قال زيد: أنزلها الله وحدها فألحقتها، والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف.

والثالثة حينما شكا ابن أم مكتوم للنبي صلى الله عليه فقده للبصر قائلاً: يا رسول الله تعلم أنني اعمى وقد رضيت بذلك في الدنيا فهل سأكون أعمى يوم القيامة ولا أرى ربي؟ وأخذ في البكاء الشديد حتى رق له رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي بقوله تعالى «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» الحج (46) وبشره صلى الله عليه وسلم بقوله: ستكون أول الناظرين الى الله يوم القيامة. وقال قتادة، وابن جبير: نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى. قال ابن عباس، ومقاتل: لما نزل ومن كان في هذه أعمى قال ابن أم مكتوم: يا رسول الله، فأنا في الدنيا أعمى أفاكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

تلك لمحة سريعة عن سيرة ذلك الصحابي الكفيف الذي خصه الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيذان للناس بالإمساك للصوم عن غيره لمكانته وعلو شأنه وبصيرته، ونستخلص منها الكثير من الدروس والعبر التي حري بنا أن نستفيد منها ونطبقها في حياتنا اليومية خصوصاً فيما يتعلق بالتعامل مع المكفوفين من حيث إعطائهم الأولوية في الرعاية والاهتمام وإعلاء شأنهم ومكانتهم في المجتمع، وإتاحة الفرصة لهم للقيام بما يستطيعون القيام به وليس بما يفرضه المجتمع عليهم. وحثهم على السعي لطلب العلم، ووضع التشريعات التي تضمن حقوقهم ومساواتهم في المجتمع فقد عاتب الله رسوله الكريم في العبوس في وجه ابن مكتوم الأعمى فما بالك اليوم بمن يظلم كفيف أو يهضم حقوقه أو يسيء معاملته أو يتكبر عليه أو ينظر له بانتقاص.

وبالعودة إلى كلامي عن رمضان فأنه يستحب أن يكون هناك أذانين للفجر أولهما لإيقاظ النائمين للسحور أو صلاة الوتر، والثاني للإمساك ودخول وقت صلاة الفجر، والتمييز بين الآذانين بصوت مؤذنين مختلفين، وإعطاء الأولوية للأذان للمكفوفين من أهل العلم والأصوات العذبة.

وتوجيه الأئمة والدعاة لتبيان الرخص التي منحها الله للمكفوفين وعامة المعاقين وأنهم مأجورين دون أن يتكبدوا المشقة والتعب كما جاء في قوله تعالى (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) النساء:95 والحديث الذي روي في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه – قال: «أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُرخِّص له فيُصلِّي في بيته، فرخَّص له، فلمَّا ولَّى دعاه، فقال له: هل تسمع النِّداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب».
 3  0  17.3K