السيفُ النقّاد
في نهاية عام 1986م وفي آخر أيام اقامتي بمدينة الدمام تعرفت من خلال المسجد على أحد الاخوة الافاضل من سلطنة عمان الشقيقة عادةً ما أراه في بعض الصلوات في المسجد المجاور لمقر عملي حينها وعرفت منه أن له أباً شيخاً كبيراً فطلبت زيارته ذات ليلة وبالفعل حدد لنا موعداً لزيارته بعد صلاة المغرب وهي فترة انتهاء الدوام الرسمي للعمل بالنسبة لي فتوجهنا الى البيت برفقة بعض اصحابي فرحب بنا وطاف بنا في مراحل تاريخية طويلة ومنها الصِلات العميقة بين أبناء عمان وحضرموت خلال فترة قرون طويلة مضت وكذلك طفنا في مسائل فقهية متعددة ولمّا عرف عني ابتداء أنني انتمي لحضرموت قام الى مكتبته وتناول كتاباً قديما مطبوعاً منذ العام 1906م بالمطبعة البارونية في القاهرة، وقدمه هديةً لي ويحمل عنوان (السيفُ النقّاد) للإمام إبراهيم بن قيس الحضرمي، وأعطاني نبذة مختصرة عنه، فشكرته على هديته القيمة رحمه الله ان كان حياً او ميتاً لأنني لم أره بعدها بسبب تركي للعمل وانتقالي الى مدينة جده، وحزنت لفقداني الكتاب ومئات الكتب الأخرى بعد أن قمت بشحنها في عدة كراتين من جدة الى حضرموت فضاع جزء منها على السائق الذي نقلها عبر حرض المنفذ البري الوحيد حينها،
وفي آخر معرض للكتاب أقيم في مدينة الرياض في العام 2019م وأثناء تجوالي في احدى مكتبات الجناح العماني وجدت هذا الكتاب فأخذته بشغف كبير وما يميزه طبعته الجميلة الحديثة في العام 2017م وبتحقيق مميز من قبل الدكتور بدر بن هلال اليحمدي الذي قال في الاهداء المتواضع:
الى روح الإمام الحضرمي في عليائها
والى كل عالم مجاهد قرن القول بالفعل
والى الشبيبة السائرة على درب الهدى.
وقال عن الديوان هو ديوان الامام إبراهيم بن قيس الحضرمي اليمني أحد شعراء وعلماء اليمن في القرن الخامس الهجري، عُرِفَ بجهاده بالقلم والسيف، بذل حياته لإعلاء كلمة الله، ونظم هذا الشعر لرفع راية الوقادة، ونبراساً يستضاء به في دياجير الفتور،
وقد قال عنه مصطفى لطفي المنفلوطي في تعليقه على الديوان بعدما اطلع عليه (قرأت جزءاً من هذا الديوان البليغ، ديوان ابن قيس الحضرمي فرأيت شعراً يمتزج بأجزاء النفس رقةً، ويُذَكِّرَ بعهد ابي تمام والبحتري رونقاً ومتانة، ويملك على النفس مشاعرها حتى لا تجد من دونه مذهباً ولا مضطرباً، ولقد كان يُخيّل لي أثناء ترديد النظر فيه كأني أرى سيوفاً تصطخب وعوامل تضطرب، وسماء تشرق بالعثير وأرضاً تموج بالنجيع الأحمر، وكأن ابن قيس فارس هذا الميدان كما هو فارس ذلك البيان)
ويأتي اهتمامي بطرح هذا الموضوع لسببين اولاهما التعريف بهذه الشخصية الحضرمية التي كان لها دورا بارزا في التاريخ الحضرمي في القرن الخامس الهجري وقطعاً أن معظم أفراد جيلنا لا يعرفوا عنها شيئا باستثناء قلة من الباحثين وهذا يؤكد لنا أن مرحلة تاريخية طويلة مليئة بالأحداث والرموز والأعلام التي كان لها شأن عظيم ولها صولات وجولات في زمانها قد طُمِسَتْ أو بالأصح غُيِّبَتْ عن كتب التاريخ المطبوعة على قلتها ولأسباب كثيرة يطول شرحها من خلال مقال محدود الكلمات،
لكن حريٌ بالباحثين ومراكز البحوث والدراسات الحضرمية أن تولي تاريخ حضرموت اهتماماً واسعاً بكل تفاصيله الدقيقة وبكل مراحله ولا يقتصر على فئة او طائفة بعينها،
السبب الثاني أن هناك روابط وعلاقات تاريخية واجتماعية وثيقة الجذور منذ قرون سبقت زمن الامام عبدالله بن يحيى الكندي ربطت بين أبناء عمان وحضرموت وقطعاً هي موجودة الى اليوم والغد لكن شابها ما شاب تاريخ حضرموت كله من إهمال وتضييع منذ عصور الانحطاط الى عصر ما بعد سايكس وبيكو التي مزقت الأمة كلها وجعلتها شذر مذر،
وفي الختام هذه دعوة لإعادة كتابة التاريخ ودراسته وتنقيته من الشوائب لتستنير به الأجيال.