وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
هل الله عز جلاله ماكر؟ ياآلله ربي اللي أعطاني كل شيء وعلمني القرآن وحببني في العلم، ورزقني بأجمل أب وأم وأخوان وأخوات، وكمان شيخ وأستاذ صديق والدي رحمه الله العالم السيد محمد البحر الذي كان يقتطع المسافات الطوال من قريته ليأتي إلينا في أيام الإجازات ليعلمنا أنا وإخوتي القرآن والتاريخ والأدب والخط واللغة والتبيان، ولايغادرنا إلا وهو حريص على أن نبادله الرسائل فأتقنا معه كتابة الرسائل ببديع الفنون والأشعار وفي سنٍ صغيرة فجزاه الله خيرًا عنا ، ورحمه ورحم والدي وأسكنهم فسيح الجنان...
هل بعد كل هذا النعيم الذي أرفل فيه أقول أنّ الله ماكر!!!
سؤال عذبني في طفولتي وآرقني وأحزنني! ربما سألت كيف يكون الله بكل مايعطيه لنا من فضل ومنن ماكر ولم أجد الإجابة الشافية.
وتمر السنوات وتنقضي وفهمت المعنى أن الله وله العزة والكبرياء والغلبة يمكر بكل ماكر فاطمئنت روحي وسكنت، ولكن مازال في داخلي حنين وشغف وإحساس أنّ هذا الوصف من الله لنفسه وراءه حكمة لم أدركها !
وهاهو كل يوم يشرق نبدأ معه رحلتنا من الكفاح، والتأمل، والحرص على التقوى ليعلمنا الله ،ويمنحنا من كنوز علمه، ورحماته مايكون زاد لهذه الرحلة التي كلما اشتد الحبل كاد ينفصم فنتراخى قليلًا، ونحلق في الآفاق باحثين عن معين منه نشرب ونتغذى ليمنحنا الثبات والقوة، ويكون المرجع حتى لانقع، وحتى لايهلكنا الوجع، ولنقف على جبال الحياة شامخين غير منهزمين ولا آيسين؟
فأين الزاد ؟وأين النهر العذب ؟ وأين القول الحق الذي به نسترشد ونواصل المسير؟ وأين القدوة التي بها نتمثل ؟ وأين الحدث الذي منه نتعلم؟
وهنا تلتمع الآية الثلاثين لمراجعة وتثبيت المحفوظ من سورة الأنفال ، لتعود الذاكرة للطفولة، وهنا الآن وجب البحث، والتأمل ،والتدقيق واستخراج الحكمة، لتكون الأرض الخصبة للزرع البهيج ، فما الحياة إلا رحلة تمكين لن تبلغ أمجادها وتكون في عليين إذا لم تمتد إليك أيادي المكر والخديعة، والبلاء فهذه هي طبيعة الحياة والأحياء، فيها البراكين والزلازل والعواصف، والكسوف ،والخسوف، والسيول، والقنابل، والمدافع وفيها الحقد، والحسد، والنميمة، والغباء ،والجهل، وفيها الظلم، والمكر من أنفسنا لأنفسنا، ومن البشر ولم ينجو من هذا أحد حتى سيد البشر!
الذي كانت الآية الثلاثين من سورة الأنفال توضح وتشرح وتصف مكر الله وكيف انتصر على مكر ابليس وقريش وأبي جهل .
قال تعالى (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )
الأنفال (30).
حين اجتمعت قريش ومعها إبليس جاءهم على صورة رجل من بني نجد ، في دار الندوة عصفوا بأذهانهم ليتآمروا على خير من خُلق محمد صلى الله عليه وسلم وأشار كل منهم برأي في قصة مكر أعجب من العجب ، فكان مكر أبي جهل مكرًا مذهلًا ،من كل بطن خذوا فتى شجاع ليشارك في القتل والخديعة، فيضيع دمه بين القبائل، وجهزوا فديته والبشائر، ومكروا مكرًا كُبارا ،وصفقوا سرًا وجهارا، فبدد الله مكرهم عيانًا بيانا، خرج رسول الله من بينهم منصورًا، بعد أن أعاد لهم الودائع، وترك العلي في فراشه ماتع، فباتوا يحرسونه مغتبطون، يظنون أنهم المنتصرون!
ويشرق الصبح عليهم فيبدد الله مكرهم، ويرد كيدهم في نحرهم ، ويبزغ نهار محمد ويملأ الآفاق، وتعلو راية الإسلام ، ويبقى مكر الثقلين ممتد بامتداد الأزمان، ولكن الله لهم بالمرصاد فهو خير الماكرين ، فالحمدلله الذي خلقنا وأنزل لنا القرآن فيه الهدى والرشد والتبيان، نتدبره، ونتذاكره، فنفهم، ونقوى، ونسعد، وننتصر مهما كان الظلم، ومهما كان المكر، ومهما كان الطغيان، فاللهم اجعلنا من أهل القرآن، وبلغنا شهر رمضان شهر التوبة والإحسان شهر القرآن.
خبيرة العلاقات الأسرية والاجتماعية
انستجرام @hayat20202