الكتاب حياة
قبل فترة زمنية حزنت كغيري عندما علمت بإغلاق المكتبة الوحيدة في مدينة المكلا حاضرة حضرموت والتي أطلق عليها مؤسسها الأستاذ سالم بن سلمان اسم (معرض الحياة الدائم للكتاب) وصدق في هذه التسمية او هذه العبارة التي تحمل مدلولات كثيرة ومعاني سامية،
قبل سنة ونصف تقريبا زرت المكتبة وقد شعرت بضيق عندما رأيت كثيرا من الارفف فارغة ولم أرى تجديدا للمحتويات وسألت على بعض العناوين فلم تكن متوفرة وجلست مع الأستاذ سالم أكثر من ساعة لم يدخل الى المكتبة ولا حتى متفرج ناهيك عن مشتري
وتداولت الحديث معه وشكا بنبرة حزن الحال الذي وصلت اليه البلاد في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن والتي ألقت بظلالها بدون أدنى شك على القلة القليلة التي ممكن ان تقتني الكتاب والذي لن يكون بكل تأكيد من أولويات احتياجاتهم الضرورية فمتطلبات الاسرة كثيرة وغلاء الأسعار في ظل انهيار قيمة العملة الوطنية أصاب المواطنين في مقتل ولهذا صار المثل الحضرمي الشهير عند الكثير (اللي بتتوضأ به اشربه) كناية عن ندرة الماء أو عدم وجوده، وتحدث بحرقة عن عدم تبني الجهات الرسمية وإدارة الجامعة لبحوث علمية وتاريخية لعدد من الباحثين،
المهم أنني عدت من تلك الزيارة بشراء مجموعة من الكتب اسأل الله أن ييسر لي الوقت لقراءتها كلها والانتفاع بما احتوته،
وفي الوقت نفسه الكثير يجمعون بأن الاهتمام بالقراءة واقتناء الكتاب أصبح ضعيفا حتى من قبل طغيان وسائل التواصل فقلما تجد بيتاً تزوره فتجد في المجلس مكتبة تحتوي على مقتنيات رب الأسرة من كتب اشتراها كما هو الحال لأرفف التحف والمزهريات وما شابهها،
وهنا تحضرني قصة أول معرض للكتاب أقيم في المكلا ونظمته جامعة حضرموت بجهود رئيس الجامعة حينها الدكتور علي هود باعباد رحمه الله الذي استغل فرصة إقامة معرض صنعاء الدولي للكتاب فأقنع بعض دور النشر ان تنتقل لحضرموت بعد انتهاء معرض صنعاء فكانت تجربة لم تتكرر لأن الاقبال على الشراء كان ضعيفاً جداً مقارنة بصنعاء وقد أخبرني بذلك أحد أصحاب دور النشر المصرية فقال بمجرد أن عرض علينا الدكتور الفكرة وافقنا فوراً وفي مخيلتنا حضرموت وراس المال الحضرمي فقلنا ستكون المبيعات مهولة ولكن كانت هذه المفاجأة كما ترى. طبعاً بررت له أن راس المال الحضرمي الذي تسمع عنه هو خارج حضرموت وليس داخلها والأمر الثاني مقارنة صنعاء بالمكلا مقارنة في غير محلها تلك عاصمة وكثافة سكانية لا تقارن ناهيك عن دخل الفرد هناك لا يقارن بالمكلا،
إذن عندنا مشكلة في القراءة ينبغي أن نعترف بها ونسعى جاهدين لتجاوزها فنحن جزء من أمة (اقرأ)
ينبغي أن تكون القراءة سلوك يومي لأن بها تتفتح لنا أبواب المعرفة،
هذا الأسبوع وتحديدا يوم السبت الماضي تناول العديد من أصدقاء الفيسبوك خبر إعادة افتتاح معرض الحياة الدائم للكتاب في مدينة المكلا في احد الشوارع الخلفية وحضر الافتتاح نخبة من الأساتذة والادباء والمثقفين والإعلاميين في حضرموت وكل من نشر الخبر تشعر في ثنايا كلماته وبين سطور أحرفه مشاعر الفرح والبهجة والسرور ناهيك ما حملته قسمات وجوههم من خلال الصور المنشورة سعادة لا توصف، لأن الكتاب فعلا حياة ومشعلا ينير لك الطريق وخاصة عندما تدلَهِم الخطوب والظلمات فمن خلاله يكون الوعي ومن خلاله تتفتح لك الآفاق ومن خلاله يكون الابداع،
فتحية للأستاذ سالم صاحب المشروع والذي يشكل لنا حالة رائعة لمحاولات نشر المعرفة والوعي.