آخر العمالقة
رحل عن عالمنا الشاعر الكبير مستور بن تركي العصيمي -رحمه الله- يوم الأربعاء الماضي الموافق ٢٩- ٥ - ١٤٤٢هـ عن سن تناهز الثانية والتسعين عاما، بعد معاناة طويلة مع أمراض عديدة أنهكته ونهشت جسده، رغم مقاومته لها رحمه الله تعالى.
وأجد أن العبارات تتفلت والكلمات تتلعثم وأنا أكتب عن هذا الشاعر العلم، وأنا أحاول صياغة حروف وداعه، بعد أن ودعنا شاعراً عظيماً وشهماً كريماً، وإنساناً كان له حضوره وتأثيره في جلساتنا ومسامراتنا الخاصة.
مستور العصيمي هو آخر عمالقة شعر المحاورة، وأبرز الأصوات الشعرية على مستوى الخليج العربي، شاعر من الطراز الأول وقامة شعرية شاهقة، وفارس ميدان لا يشق له غبار، فقد قضى أكثر من سبعين عاماً في ميدان المحاورة ومقارعة الشعراء، قدم خلال هذه الفترة الكثير من الإبداع وأعطى الكثير من الإمتاع، لقد غادرنا شاعرٌ مجيد لا نظير له، لقد كان -رحمه الله- عنوانا للموهبة الفذة والشعر الأصيل والإبداع والتفرد، عنوانا للجزالة والمتانة وقوة المعنى وجمال السبك، وقبل ذلك كله كان عنوانا للشهامة والشجاعة والكرم والرجولة والمروءة وطيب النفس، رحل مستور بن تركي العصيمي تاركاً اسمه بين الأسماء الخالدة.
ولا شك أن الموت عاقبة كل حي وختام كل شيء، وسنة من سنن الله في خلقه، وموت الشيوخ وقد استوفوا أعمارهم وتناهشت الأمراض أجسادهم كثير الوقوع، لكن هناك أشخاصاً يفاجئونك بموتهم، كما فاجأنا موت شاعرنا الكبير، فكلنا موجوعون حد الذهول وحد الصمت؛ إننا نرى زمنا جميلا وعصرا ذهبيا ومرحلة عظيمة ترحل إلى الأبد.
نعم لقد مات أستاذ الشعر ومعلم الأجيال، مات الكبير مستور العصيمي، لكن الشعراء لا يموتون كما يُقال، حتى وإن تركوا الحياة بأجسادهم فأرواحهم تنبعث من أشعارهم وقصائدهم مع كل استعادة وقراءة، فبصماتهم وإبداعاتهم وكلماتهم لا تموت ولا تفنى بل تخلد وتتأبد.
لقد جلست إلى أبي تركي كثيرا ونهلت من معينه وتعلمت منه الكثير والكثير، وكان -رحمه الله- كلما رآني بعد أن مرض وكبر وابتعد عن الشعر خاطبني قائلاً: ( يا مرحبا يا خالد الدعجاني - ........ ) وهو نصف بيت كان -رحمه الله- يكتفي به ولا يكمله، وكأنه يريد أن يقول لي دائما أنه بابتعاده عن الشعر وبدون الشعر يفقد نصف الحياة. وكان أكثر ما آلمه ضعفه وانكساره أمام المرض، وابتعاده عن ميادين الشعر وساحات الإبداع، ولقدكان يأنف -رحمه الله- أن يعترف بضعفه وشيخوخته وكبر سنه، غفر الله له وجعل الله قبره روضة من رياض الجنة.
غابت شمس شاعرنا الأول مستور بن تركي وآلمنا رحيله، وإنّا لفراقه لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، فكل شيء عنده بأجل مسمى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم ارحمه رحمة واسعة واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله وتجاوز عنه، وارزق أهله وذويه وصحبه جميل الصبر والسلوان، واغفر لنا وله يا رب العالمين.