تفاحة بن عطّاف
قبل اسبوعين ذَكّرنا الأخ سالم العطاس بمنشور على صفحته بالفيسبوك بثاني تغريدة نشرها أو كرر نشرها الناشط الانتقالي بن عطاف وهو كما قيل إنه يؤم المصلين في أحد المساجد بدولة الكويت.
وقد قال فيها: كانت دولة الجنوب ويقصد بها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تجبر الطلاب إجبارا على تناول حبة تفاح وكأس حليب وحبة بيض (مسلوغ) حسب لهجته كما كتبت ويقصد بها مسلوق ولا أدري هل يغلط في الصلاة ويقلب القاف غين فهذه مصيبة كبرى،
المهم أن الطالب حسب كلامه يُجْبَرْ على أكلها كل صباح ومجاناً على حساب الدولة في الروضة والابتدائية.
كلام جميل لو كان صحيحاً وهذا من أقل واجبات الدولة المحترمة أما إن كان هذا الزيف ما هو إلاّ لزيادة حسرات الأتباع على الفردوس المفقود ما أُطلق عليه مسمّى الجنوب بينما الحقيقة سميت تلك الدولة في 30نوفمبر 1967م (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) وبعد سنتين تم تغيير الاسم الى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ولو توثقت علاقتهم معمر القذافي لربما اضافوا لها مفردتي الاشتراكية العظمى،
فالتفاح وغيره من الفواكه كان من مظاهر الترف الإمبريالي الذي قامت الدولة لمحاربته وبالتالي ينبغي أن يعيش الشعب على الكفاف حتى وإن توفر لديهم المال للشراء،
ولهذا أقيمت التعاونيات الاستهلاكية ليحصل المواطن على كم رطل من السكر كل شهر ويقوم من الصباح الباكر ليقف في طابور طويل ليشتري احتياجاته رطلاً من الطماطم او البطاطس او غيرها من الاحتياجات المتاحة وإذا توفرت لديهم بعض الكماليات الأخرى فتُجْبَر على شرائها حتى وان لم تكن في حاجتها فلا يمكن ان يعطوك حصتك من السكر والذي ستدفع قيمته طبعاً إلا إذا اشتريت نصف درزن من بطاريات الراديو لأنهم حريصون على التوعية التي اختزلت في ترهات التنظير الحزبي من خلال استماعك لبرامج الإذاعة كل يوم،
ومازال كثير من كبار السن في ساحل حضرموت تحديداً يتذكرون الواقعة الطريفة لصاحب الطرفة الدائمة سالمين حسين الذي كان لديه مقهى للشاي في مدينة غيل باوزير فجاءه مجموعة من كبار الرفاق الى المقهى وطلبوا الشاي فأحضر لهم مع كل كأسة شاي حبه من البطاريات فقال لهم كما تبيعون لنا البطاريات مع السكر اجباريا فلا شاي الاّ بالبطاريات فكانت تلك رسالة أراد إيصالها لهم،
وأما الطوابير فكانت ثقافة ملازمة لكل شيء فعندما ترى الناس في طابور يخطر في بالك أن هذا اليوم توفرت سلعة من السلع النادرة او المعدومة فتصطف في الطابور دو أن تعرف ماذا لديهم وقد تعرض أحد كبار السن من الذين قدموا الى عدن لموقف حرج عندما وقف في الطابور وعندما وصله الدور قدم له البائع قارورتين بيرة مُكحلة دون ان يعرف ماهي ظنها أنها عصير أو ما شابه فدفع الثمن وتحرّك فقال له أحد الشباب حتى انت يا عاقل؟ فقال له مالك فقال هذه بيرة التي اشتريتها فألقى بها والخجل يملأ وجهه خشية أن يكون شاهده أحدٌ من معارفه،
هذا هو الحال الذي عاشه الشعب على مدى 23 عاماً تتفاوت فيه أيام الشدة وتأتي أيام أخف من بعضها أحياناً.
قد يكون بن عطاف من أبناء كبار الرفاق الذين تأتيهم الفواكه وغيرها مما لذّ وطاب من كافة البلدان التي كانت تصل اليها رحلات (طيران اليمدا) وقد تم توظيف اشخاص في السفارات مهمتهم شراء احتياجات المسؤولين وشحنها في كل رحلة،
فرفقا بعقول جيل ما بعد التسعين يا بن عطاف من أجل تمرير مشروع سياسي يخدم أجندات خارجية،
أما من هم في سننا فقد عاشوا الوضع بحذافيره وعاشوا ضنك العيش بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ولعل اللوم ليس عليك وحدك وأمثالك ممن خانوا شرف الكلمة ويزورون التاريخ بدراهم معدودات ولكن اللوم يقع على من بقي في وضع المتفرج وكان لزاما على كل مثقف ومنصف عايش تلك الفترة المظلمة أن يعد سجلاً تاريخيا موثقا لتلك الحقبة السوداء ليعرف شبابنا الى أين يُجَرُّون وماهي الدولة التي يستميتون بالدعوة الى عودتها..
عموما مهما طال الكذب فحبله قصير ومهما زينت الكلمات في تجميل الزيف فالواقع والأيام كفيلة بكشفه.