حتى لا نكرر التجربة
مازلنا نتذكر الأزمات السياسية المفتعلة بعد اعلان الوحدة اليمنية في العام 1990م أو ما اصطلح على تسميته حينها الاعتكاف السياسي او كما أطلق عليه في الشارع الحضرمي (الحنقة بعد المنقة) كناية عن كميات عصير المانجو التي وصلت من شمال اليمن الى الأسواق في كل مدن الجنوب وحضرموت وأصبح من السهولة بمكان شراؤها من قبل المواطنين بعد أن كان المواطن لا يستطيع الحصول عليها الا خفيةً او بأمر موجّه للتعاونية الاستهلاكية من لجان الدفاع الشعبي بالحي السكني أو من خلال روشتة طبية من أحد الأطباء المعتمدين، (هذه حقائق تاريخية يجهلها جيل الفسبكة والوتوسة الذي أوصل الأدوات الرخيصة الى النجومية والمراتب القيادية المرموقة ولهذا ضرورة الإشارة اليها).
المهم أن الأزمة السياسية بلغت أوجها بعد إجراء أول انتخابات برلمانية جعلت ترتيب الحزب الاشتراكي اليمني ثالثاً وهو الحاكم المطلق في الجنوب والذي لولا قبضته الأمنية الحديدية حينها لما حصل حتى على نصف الدوائر التي حصل عليها ولهذا شعر الرفاق انهم في مازق فتفاقمت الأزمة وحاولت القوى السياسية المخلصة احتواءها لتدارك ما يمكن تداركه فكانت وثيقة (العهد والاتفاق) التي توصلوا اليها ونالت اجماعاً سياسياً في ظاهرها ووقعت من قبل القادة السياسيين والرئيس ونائبه برعاية وحضور ملك الأردن الراحل، وأجمع الكثير من المفكرين والساسة أنه لو تم تنفيذ تلك الاتفاقية بما تضمنته من إيجابيات في معظم بنودها لما اندلعت حرب صيف 1994م وبالتالي لما وصل بنا الحال الى ما وصلنا اليه بعد 27 عاما من تلك الاتفاقية التي ذهبت ادراج الرياح،
في العام الماضي كانت اتفاقية الرياض التي وقعت تحت رعاية المملكة العربية السعودية بعد أحداث عدن الدامية والتي جرى خلالها اخراج الحكومة الشرعية من العاصمة المؤقتة عدن بعد دعوات النفير الشهيرة من قبل قيادات المجلس الانتقالي المدعوم عسكريا ولوجستيا من قبل دولة الامارات،
واستبشر الناس خيراً بهذا الاتفاق بعد أن حددت فترة زمنية لتطبيقه على أرض الواقع، لكن وضعت عراقيل جمّة حالت دون الإسراع في التطبيق كما حدد له وإذا بها تظهر تعديلات أخرى تجعل من الشرعية هي الطرف الخاسر امام جماهيرها وتعزز من قوة ومكانة الطرف الآخر وخاصة بعد فرض سياسة الأمر الواقع في بعض المحافظات ومنها محافظة سقطرى على وجه التحديد،
خلاصة الأمر تم الإعلان مساء يوم الجمعة الماضية عن التشكيل الوزاري لحكومة المناصفة والتي انصفت الشمال بحصولهم على نصف العدد من الوزراء بالإضافة الى رئاسة الوزراء بعد أن كانوا الأقل عداً أيام حكومة د. احمد بن دغر الحضرمي (التي جعلتها مليشيات الانتقالي هدفا يجب إسقاطه كما فعلت مليشيات الحوثي من قبل اسقاط حكومة باسِنْدُوه الحضرمي ايضاً سبباً لانقلابها ودخولها الى صنعاء في سبتمبر 2014م.
على كل حال حصل ما حصل واستبشر الكثير من المواطنين بالإعلان الأخير لتشكيلة الحكومة على أمل خروج البلاد من أحد الانفاق المظلمة وفرح آخرون واعتبروه نصراً مؤقتاً بأن يشارك مجلسهم في حكومة الاحتلال بزعمهم كخطوة متقدمة على طريق الاستقلال او الاستغلال،
وحتى تستكمل فرحة الشعب فلابد من الإسراع بتفعيل نشاط الحكومة وسرعة عودتها الى العاصمة المؤقتة عدن وعودة المجلس التشريعي وفي المقدمة هيئة رئاسته وعودة رئيس الجمهورية لينهي فترة الاغتراب التي افقدت المواطن ثقته بهم فبعودته الى العاصمة المؤقتة عدن ستختفي الكثير من النتوءات، وحتى لا تتكرر التجارب المريرة.
خاتمة شعرية للبُحتري:
إِذا ما الجُرحُ رُمَّ عَلى فَسادٍ
تَبَيَّنَ فيهِ تَفريطُ الطَبيبِ
رَزِيَّةُ هالِكٍ جَلَبَت رَزايا
وَخَطبٌ باتَ يَكشِفُ عَن خُطوبِ
يُشَقُّ الجَيبُ ثُمَّ يَجيءُ أَمرٌ
يُصَغَّرُ فيهِ تَشقيقُ الجُيوبِ