شكرا كورونا ..فكل شخص عرف مقامه
لا تتسرع في الحكم على العنوان ، فثمة أمور حدثت تستوجب شكر كورونا و إليك البرهان ..فكم شخص منّا أهداه كورونا وقتا للتأمل و للتفكير و للجلوس مع العائلة و لمراجعة النفس ؟ وكم شخص منا كان تفكّر في نعم الله تعالى بسبب كورونا : من صحة و فراغ و أسرة و أصدقاء سألوا عن أحواله في كورونا ؟ و كم من أم اشتاقت لرؤية ابنها المنغمس في طرقات تحصيل سبل الحياة أو العلم و كانت تأمل ببضع دقائق لرؤيته فأهداهما كورونا ساعات للجلوس معا ؟
شكرا كورونا كم أنت أصيل فلم تقتحم دارا ، و لم تحرق زرعا ، ولم تكسر خاطر ..بل منعت اللصوص و خففت الزحام و جعلت البيئة تتنفس من تلوث المصانع و ضجيج المعامل و السيارات .
شكرا كورونا فقد علمتنا كيف نحافظ على مشاعر غيرنا ممن أصيبوا بك ..نواسيهم ..نخفف عنهم ..و نزرع الأمل في أنفسهم بالشفاء.
شكرا كورونا فقد أكّدت احترامنا للأطباء و الممرضات و كل من يعمل في القطاع الصحي ..وهم الأجدر بالشكر و التقدير .
شكرا كورونا فقد أطلقت الألسن بالدعاء و التوبة و الاستغفار بعدما كانت ترتع في الغيبة و النميمة و اللهو و الخوض مع الخائضين .
شكرا كورونا ولا عجب فأكثرنا كان مخدوعا بسراب الغرور و يحسب نفسه بريق الذهب فاكتشف ضآلته و حجمه الحقيقي .
شكرا كورونا فقد نسي بعضنا صلاة الجماعة و تناسى أهمية المساجد فأصبح كل همه فتح المساجد و الحرص على تأدية الصلاة .
قبل كورونا كنا في بيوت العزاء نملّ من كثرة المعزين و نتعب لطول الوقوف على القدمين لاستقبال و وداع المواسين ..صحيح أن الشعور مع أهل الميت واجب لكن كان فيه إرهاق و تعب فجئت يا كورونا مشكورا و أبطلت البدعة و منعت بيوت العزاء خوفا من انتشارك ..فوق الحزن كان على الإنسان مجاراة الناس و السهر في استقبالهم وصنع الموائد لهم فتخلصنا بسببك من بعض بدع المجاملة
قبل قدومك يا كورونا كانت المبالغة في الأفراح شيء لا يصدق صرف بلا أي فائدة سوى إظهار أن العريس ابنُ غنيٍّ و أن العروسَ ابنة أصلٍّ ..
شكرا كورونا فقد أظهرت الحجم الحقيقي لكثير منا .
شكرا لك فقد أعدت بعضنا إلى صوابه : إسراف و تبذير و مباهاة و تقليد كانت تثقل رب الأسرة بلا أي مبرر ، فجئت و علمت بعضنا الاقتصاد و الترشيد في المصروفات و التركيز على الضروريات .
شكرا كورونا ..فقد ذكرتنا بالفقراء و المحتاجين و من تقطعت فيهم السبل و بالغارمين ..فقد رأينا بعض الأسر تعجز عن تأمين أدنى متطلباتها فامتدت إليهم أيدي الخير من مواطنينا السعوديين أهل الخير
شكرا كورونا -على مبدأ إخواننا المصريين بقولهم العيار اللي ميصبش يدوش –أتعبتنا نعم و أرهقتنا و أفقدتنا بعض الأعزاء لكنك ذكرتنا بنعم الله الكثيرة التي لا تحصى ..و بعد مغادرتك –بإذن الله بلا عودة – سنكون أكثر أمنا و أفضل استعدادا لأي مكروه و أكثر تواصلا و تراحما و دعاء لله بأن يحفظ مواطنينا و مملكتنا العربية السعودية و كل بلاد المسلمين .
شكرا فمكوثنا في بيتنا جعل كلا منا يراجع حساباته ..و يعرف قيمته ..و يهجر غروره ..من صميم عقلي -لا قلبي- أقول : شكرا كورونا .