قائدُ تطويرِالصين الفاذ: DENG.
الزعيم الصيني الراحل: دِنگ خِــياوبِـنگ: DENG، XiaoPing. زعيمٌ مُجدِّدٌ و مؤسسٌ في آن؛ و هو شخصية تاريخية فاذّة، (و لو أنّ له عندي شعوراً مختلطا):
1. لكن و قبل كل شيء فهو الرائدُ الحقيقي لنهضة الصين الحالية، و هو السببُ الفعّالُ لما وصلتْ اليومَ اليه من تقدمٍ و صدارةٍ و رخاء. و السيد (دِنگ) هو الأول في ثلاثي؛ فهو الضلعُ الأساسُ و (القاعدة الكبيرة الطويلة في مثلثٍ متساوِ الساقين)؛ بينما ضلعاهُ الآخران هُما:
2. المكتب السياسي/رآسة مجلس الوزراء في تلك الأيام، في أواخر سبعينات القرن العشرين، فما كان لأفكاره أن تكون لولا موافقة 'المكتب' على فكرة دِنگ (و جاءت تلك الموافقة (بعد) سَبعِ محاولاتٍ مَرفوضة قبلها؛ بل حتى أنه تمّ تهديدُه بالفصل من المكتب السياسي للحزب إن هو عاوَد!) لكنه عاوَدَ في كــَرَّةٍ ثامنة، و نالَ القبول!!
كان الرئيس دِنگ من معاصري و رفاق الرئيس التاريخي المؤسِّس لدولة الصين الحديثة في ١٩٤٩م السيد (ماو تِسي.دُنگ).. و هو الذي وصفه ذات مرةٍ بأنه 'إبرة مِخرازٍ في كــِيسِ قطن'، فيما يبدو إشارة إلى صلادة رأيه و إلى صلابة مواقفه، في مقارنةٍ نسبية برخاوة غيره!
٣. أمّا ثالثُ المُثلّث فكان البروفِسّور إلياس كوركيس (جُرجَس؟) الاقتصادي العراقي الأصل- الذي دَعته الصين من جامعة أكسفورد في مبادرة (دنگ)، فبدأ في مشروعٍ اقتصاديٍ عظيم بدأ أُكُلَه في مُجرّد بِضعِ سنين.
لكنّ جَهدَ دِنگ كان جهاداََ مستميتاََ، فلقد قدّم فكرته عن طريقة لتحقيق انعاش الصين و نهوضها و رفعتها من صفوف الدول 'النامية' (هكذا كان النعت المُنمَّق المُشذَّب، 'النامية'، كِنايةً عن المُتخلفة). و صار الهدفُ لأن تــَرقى الصينُ إلى مصافِّ منزلة الدول ''المتطورة''.
كما و شدَّ (دِنگ) الرِّحَال إلى عدد من الدول الغربية؛ و كذلك قام برحلة إلى أمريكا شملت عدداََ من الولايات و المدن الرئيسة بما فيها نيويورك مركز أسواق المال و أباطرة الأعمال؛
و كاليفورنيا، بما فيها عالم الحواسيب في وادي 'السيليكون' ثم مواقع الإبداع في الزراعة؛ و بالطبع عالم السينما و الإعلامياء.
كما و اذكرُ زيارته للولاية الكبرى تكساس في جولة واسعة جمعت بين مصانعها و معاملها (مثلاََ في عالم تقنيات الحاسوب. (في وقتها بلغ في تكساس تعدادُها الثلاثة عشر، بعد تنامي وادي سيليكونٍ جديدٍ في اواسط تكساس و في عاصمتها أُوستِن و ما حول جامعتها، فكانت مثلاََ شركة تكساس إنسترومنتس. و بالطبع ثــَمّ في نفس الولاية مركزُ عالمِ النفط في مدينة و ميناء هيوستن؛ و المال و الاعمال في مدينة دالــَس.. فضلاََ عن المشهور في هذه الولاية تاريخياََ في عالم المواشي و المراعي في شمال و غرب الولاية، حتى أن الرئيس بوش الأب، (و كان نفـــْسُه قد حصلَ على الهُوية التكسانية منذ أمدٍ قريب بعد أن انتقلتْ إقامتــُه من ولاية بعيدة بأقاصي الشمال الشرقي من البلاد)؛ فقلّدَ الرئيسُ بوش الزعيمَ الصيني Deng الذي لم يكن فارعاََ في الطول بحال قبــَّعةَ الكاوبوي الضخمة: Ten-Gallon Hat؛ و كان مَشهداً مميزاََ و طريفا.
و عاد السيد دِنگ إلى بلاده و قد وقــّعَ عدداََ كبيراََ من الاتفاقات الناجزة و المنتظــَرة و عدد من 'مذكَّراتِ التفاهم'؛ و لا تزال آثارُ تلك الزيارة و اتفاقاتها إلى اليوم، رغم الأحداث و التطورات و التغيرات.
لكن، مع كل هذا و ذلك و ذاك، فإنّ إنجازَ الزعيم (دِنـگ) الاستراتيجي الأعظم كان في غير أمريكا؛ فلقد كانت نتيجةٌ من نتائج تواصلاتِه بأوروبا أنْ جاءَ إحرازُه على موافقةِ جامعة أُكسفورد (بريطانيا) على إعارة خبير اقتصادي استراتيجي. لقد تمّ له ذالك لكن بعد عدة محاولات مُضنية و اعتذارات ثم معاودات للمحاولات، و بعد عروض صينية متزايدة في سخاء المخصصات و وفرة المميزات، و أيضاََ بعد ضمان حرية الحركة و التصرف في الأداء للخبيرِ المَدعو.
حصلَ الزعيم دِنگ على إذنِ تلك الجامعة بإعارة د.إلياس كوركيس كخبير اقتصادي استراتيجي، الذي شرع في العملِ بـــِدأبٍ و مثابرة.؛ و عملَ على: المواءمة بين إمكانات الصين في مختلف مناطقها و حوَّلَ تفاوتاتها من أعباءٍ إلى قـُدُرات؛ و عمل على محو عادات فساد الرشوة بأنْ ربطَ بين (إنتاجية) العاملين و مردودية تلك الإنتاجية (عليهم)! و عمل على تحويلٍ تدريجي للاقتصاد المحلي (الشيوعي) إلى اقتصاد (السوق)؛ و جهّز للتفاعل الفعال بين الاقتصاد المحلي و ذاك العالمي.
كما و أصرّ الخبير على انخراط الوزراء في تدريبات على المفاهيم الأساسية في علم الإدارة الحديثة.. و مع الحرص على تعليمهم اللغة الإنگليزية!
و لقد أخذنا نلاحظ أنَّ الموظفين و المسؤولين قد اتخذوا من زي لبس (رجال الأعمال) الأوربيين زياََ عاماََ؛ و تخلوّا عن 'سُترة/بذلة ماو': Tunic/Tunique التي دامت زياََ موحداََ طيلة حياته في أنحاء الصين لأكثر من ٣٠ سنة منذ ١٩٤٩م، و كانت (التونِك) هذه مُكوّنةً من قميصٍ قطنيٍ بنصف-كُم إلى بثلاثة ارباعه، و يصل للوسط و البنطال، و بباقة رقبة بأزارير، بدون اي ربطة عنق؛ و هو الزي الذي لا تزال صورته تظهر على كافة فئات أوراق العملة الصينية (أليُوان).. إلى اليوم! و كانت هذه البذلة/السُّترة الزيَّ المُوحّدَ في انحاء،ِ الصين. .
و كانت ذُروةُ إنجاز الدكتور إلياس انه ساعد الصين على تحقيقها متطلبات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية! و بدأتْ فسائلُ نبتاته تظهر و تنمو و تتطاول.. و ذلك خلالَ بــِضعَ سنين، ثم بدأ بروزُ طلعِ ثمارِها و تنامي يــَـنعِها قبلَ مُضيّ عقدٍ من الزمان.
و بذا بدأ تحقّقُ آمال الزعيم و أحلام الصين بمستقبل تتحول معه بلاده من دولة 'نامية` (متخلفة) إلى درجات عالية الاضطراد في التطور و الارتقاء؛ الى أن وصلت، عَقداََ بعد عَقد، الى مَصافّ الدول الصناعية، ثم للمستوى القيادي بينها، ثم الى موقع ضِمنَ الصدارة على مستوى العالم كله.
و لكن، و لو أن (دِنگ) هو الضِلعُ الأساسُ في مثلَّثِ عظمةِ تاريخ نهوض الصين المعاصرة، إلاّ أنه في ٤ من يونية، ١٩٨٩م، قامت دباباته بدهسِ أحد الشبّان الصينيين المطالبين بالاصلاح في وسط الميدان الرئيس 'تِيَن.آن.مِن' في قلب العاصمة بيجين؛ فأرى أنْ -بذلك- لن يتعادل الميزان: إنشاء و تطوير المكان دون الانسان. و مع ذلك، و بالنظرة العملية الصِّرفة، فإنّ الموقع التاريخي للزعيم دِنگ يأتي في رأس قائمة قادة نهضة الصين منذ نشأتها الحديثة في ١٩٤٩م، بل إن ما انجزه هو -و بمنتهى الانصاف و الموضوعية- قد فاقَ أداءَ حتى الرئيس المؤسس (ماو) بمراحل، و ذلك بناءََ على الواقع المشهود و فاعلية الأداء المحسوب أثناء قيادته الفاذّة للحركة التنموية التي رتسببّت بالفعل فيما وصلت اليه الصين العظمى اليوم.