بورِكَ العاملون الأفذاذ في القطاع الصحي
نــُقدِّرُ الجـَهدَ الملائكي و نشكرُ كفاحَ و مَجاهيدَ نجماتِ و نجومِ الواجب البواسلِ في القطاع الصحي، و ذلك بمتعدد مهاراتهم و بمختلف مواقعهم، فدَيتُهم!
في الأوقات العاديّة، يحينُ الموعدُ الشهري لصرفِ دواءِ علاجٍ لي بالمَشفى العام بجدة، مَشفىَ الملك فهد (الملكُ خالد كانَ قد اسسه في ١٩٧٨م). و دواءُ علاجي هنا هو للبروستاتا أساساً؛ و يختلفُ عن عدد من الأدوية التي كانت تُصرف عن طريق المراكز الصحية (المُستوصَفات)؛ ثم صار ترتيبٌ بوزارة الصحة مع بداية ٢٠٢٠م لتصرف تلك الأدوية العامة لدى عدد من الصيدليات الخاصة، ضِمنَ منظومةٍ اسموها 'وَصفــَتي.'
و إنّ علاجَ تضخّم البروستاتا لامحيص عنه لدى جُلّ الرجال، غالباََ بُعيدَ بلوغهم أواخر سِني الرشد و قبيلَ حلول الخمسبن؛ و علاجُها هو بمواجهة تضخمها، و يأتي اساساََ في دواءين مثل أُمنـِيك و بروسكار؛ أحدُهما لإدرارِ البول؛ و الآخرُ لتوسيع مَجراه. و الغرضُ الجامعُ هو تحاشي (أو الحَدّ من) تضخـّم البروستاتا.. و إلاّ تَسرطنَت و وجبت إزالتـُها. (و انا بلغتُ سنَّ الرشد و تعديته منذ عقود.. حتى اني وجدتني أصنـَّـفُ في زمرة السبعينين!!)
و من التأثيرات الجانبية لعلاج البروستاتا تأثيره السلبي على مستوى الهِمـّةِ عند متعاطيه! و لقد ظللتُ لسنواتٍ اقترحُ على الأطباء هناك أن يسعوا لعون معشر المتعالجين في هذا المجال بصرف احد الأدوية `المساعدة'!
و الحقُّ أنْه قد بدأ مؤخراََ صرفُ نوعٍ من المُنــَشطات -و لو في حدود 5 ملگم، و ذلك لغرض عونِ سيلان الدم و دعمِ البروستاتا.. و ما حوْلها. مع تأكيد النيّةُ وراءَ وصفِ و صرفِ هكذا
'مُنشط' أنه لدعم الدورة الدموية، بما يساعدُ البروستاتا (حصراََ!)
و بَعد تأخري عن موعد صرف دَوايَ بأربعة أيام، عقدتُ العزمَ على التوجــّه إلى ذلك المشفى، و بدأتُ المشي في أواخر الضُّحى، من وسطِ حيّ السلامة شمالاً إلى موقع المشفى في حي الأندلس جنوباً؛ و بذا غطــّيتُ كاملَ حي الروضة، و فيه شارع حمد الجاسر الذي لزمني حوالي ١٧ دقيقة.
و يقع على هذا الشارع مباشرةً مسجدُ (الإخلاص) للفنان محمد عبده، ثم مركزِ الروضة التجاري و عشراتٌ من ألمحلات على الجانبين حتى شارع الكـَــيّال. و مَضت مسيرتي لأقطع شارع سعود الفيصل، فشارع الخالدية ثم الوصول إلى شارع التحلية. و لاحظتُ عدداً من الشوارع بأسماءِ أدباء من المدينة المنورة مثل محمود عارف و أمين مدني.
و عند بلوغي الحيز المُجاور لمشفى فهد وجدتني امرُّ بمجمَّع القنصلية العامة الهندية و لم أكن أتصورُ شدة قرب تلك القنصلية
من منطقة المشفى العام التي وصلتُه بـُعيدَ الواحدة ظُهرا.
و لأنّي وصلتُ اليه هذه المرة من جهة الشمال.. فلم تتبين لي ملامحُ مَرافِقه العامة المحيطة به.. لكني سُرعان ما وجدتُني أمامَ المدخل الرئيس، فوَلجتـُه و انا احثُّ الخـُطى صوبَ الصيدلية حصراً.
لكن عند مدخل المشفى وجدتُ أمامي ممرضةً فارعة واقفةً في
مواجهُني و هي ترفعُ في يدها تجاه جبهتي آلة لفحص درجة الحرارة حديثة، فبــِها يُمكن اخذُ القياس (عن بُعد)؛ فأخذتْ قياسي.. و أعلنتني مُناسباً بما يُمثــّلُ الرقم العادي الطبيعي: 36.5°؛ و بذا لن يلزم احتجازي لإجراء أي (فحص) إزاء جائحة الكورونا، ناهيكَ عن احتمال إيداعي في حجرات العلاج و إمكان لزوم جهاز التـَّنفُس الصناعي Ventilator بجناح العناية المُرَكــّزة: ICU.
بعيدَ فرحتي الغامرة بهذه النتيجة، توَجّهتُ فوراََ إلى قسم الصيدلية و طلبتُ من مأمورها ان يُصرفَ لي مقدارُ شهرين بـَدلاََ من الصرف الشهري المعتاد، مُذكـِّراََ بَبقـُربِ رمضان بعد آيام معدودات؛ فتجاوبَ الموَظفُ و وعدَ خيراََ 'حسبَ توافر الكميّات'.)
أثناء انتظاري، ذهبتُ لأعيدَ تعبئة قارورة الماء التي نفدَت في طريق سيري بين البيت و المَشفى، فلم أجد قارورة ماء البرّادة؛ فسألتُ عن موقعٍ بديل فاعتذرَ إثنان مِمّن سألتُ، لكنَّ مُراجعاََ كان بالقرب و سمِعَني، طلبَ منى اتــِّباعه؛ فإذا به يقودُني إلى خارج المبنى، و اخذني إلى حيث كانت سيارته.. و فاجأني بفتح الشنطة و اعطائي قارورتيْ ماء!
و بعد أن شكرنه جزيلاً عُدنا نحو مبنى المشفى؛.. حيث لاحظتُ خروجَ سيدةٍ أبدىَ لي وجهُها بأنها ثمانينية و على كرسيٍ متحركٍ خاصٍ بها تدفعهُ مساعِدةٌ. و صدقَ حـــَدْسي عن تلكما السيدة، فتوَجّهتُ إليها بقولي 'إنّ مَحفوظــَك هو بالتأكيد (رَضيٌ)، فأدعي له، سيدتي!
(و فرحتُ لها بخروجها سالمةً غانمة.)
بعد ذلك، و لأنــــّي (عُدتُ) إلى مبنى المشفى، فقد كانَ عليّ الوقوفُ ثانيةً عند محطة الممرضات لفحص درجة الحرارة، فقد جاءت في المحطة مُمرضةٌ آخرى حــَـلّت مَحلّ سابقتِها؛ فقامت هذه فأخذتْ قياسي و أجازتْ وُلوجي المبنى.
((و اعتبرتُ انا هذا اهمَّ حدثٍ و نتيجة وراءَ كامل ذهابي إلى المشفى، بما يفوقُ حتى أهمية حصولي على الأدوية التي شددتُ الرِّحال من أجلها أساسا! (فإن صرفَ الدواء كان مجردَ علاج؛ أمّا فحصُ الممرضة لي و كشفها عن حرارتي (ألمؤشِّر الأول عن تواجد الكورونا) فهو تطمين التطمين، خاصة و أن الأنظارَ و الأذهانَ مُركزةٌ على المسنين بدءاً بذوي السبعين!!
و كان ذلك الفحص ضِمنَ الأداءِ الملائكي لنـَجماتِ و نجوم القطاع الصحي بمختلف مهاراته و منها فـحصُ القادمين للمشفى من المراجعين عَمَّا اذا كانوا يحملون عرَضاً من أعراض الكورونا، Covid-19. و لقد مَررتُ بهذه المحطة كــَــرّتــيــَن و فرحتُ بقياس الممرضتين، و كأنــَّها أكـــّدَت لي إحداهما مقياس الأُخرى؛ و عبَّرتُ لهما عن ممنونيتي الخالصة لتطميني بإجازتهما إيايَ، فهيَ الشهادةُ لي بأنيّ سالمُ.
بعدَ ذلك توجّهتُ نحو ثلاّجتين كنت اتعامل معهما في زياراتي السالفة، أحدهما لبيع الفواكه المُـقطَّعة (سلطة الفواكه) في عدة أصناف؛ و ثانيهما لمختلف السلَطات، كان منها سلطة القيصر (سيزر سالاد).. و تحتوى على الخس و الذُرة، و قطع من الدجاج، و كذلك كيس من بُقصمِ الشابورة و علبة من الصلصلة التتارية؛ مما يمكن أن يُمثّلَ وجبة غدا صحية و خفيفة.
لكن محفظتي هذه المرة لم تحتوِ على العديد من النقود من فئة 10﷼، و هي الفئة الوحيدة التي يطلبها الجهاز الآلي هنا؛ و لمّا كان سعر العلبة 20﷼ فقد لزمتني ورقتان من فئة 10﷼؛ و ما كان بمحفظتي غير ورقةٍ واحدةٍ من تلك الفئة، فسَعيتُ لصرف ورقة، مثلاََ من فئة الـ50 فلم أجد من يصرف لي؛ لكنّ واحداً ممن سألتــُهم كان شاباََ عشرينياً و لعله من نتاج بعثاتنا إلى أمريكا و بريطانيا و كندا.. فأشار لي إلى إمكان استخدام بطاقة الصرّاف في اعلى نفس الثلاجة؛ و ما كنتُ قد اكتشفتُ ذلك في زياراتي السابقة، بل كنتُ أدفعُ نقداََ. فما كان مِني إلاّ و طلبتُ من ذلك الشاب أن يُدريني. و تمّت المهمة بعد جوْلتين، فلقد لمحتُ انّ معرفته كانت عن (وجودِ) علبة الأزارير و عن (فكرة) إيلاج بطاقة الصرّاف، لكنه لم يستعملها هو في هكذا ثلاجات، بل ربما جرَّب مكائن مشابهة.. لبيع الحلوى و اللبان و البسكوت، بل و مختلف انواع القهوة.
و تعلمتُ أنّ في التعامل مع مثل هذه الثلاجة و أجهزة البيع المشابهة يلزمُ: ١) إيلاج بطاقة الصرّاف؛ ٢) الضغط على الزر F1؛ ٣) إدخال رقم الصنف المطلوب في لوحة أرقامه أدناه.. (مثلاََ، في حالتي هنا كان الرقم 14)؛ ٤) ثــُمّ الختام بضغطِ زر Enter أو Done بمعنى (تـَم"ْ)؛ و عندها ستتحركُ فوراً عُلبة المُنتَجِ المطلوب لتسقطُ في دُرج التسليم و الاستلام في أسفل الثلاجة!
و قبيلَ مغادرتي مبنى المشفى مع قرب الساعة 13:30 بوقت القيلولة عائداََ لبيتي -و في مشوار سيأخذ مني أكثر من ساعة.
أتصلتُ (بالوَليـّة) لتتفضّلْ فتتناول غداها و لا تنتظرني قتتأخر عن تناولها غداها، وكذبتُ عليها بأني بدأتُ غدايَ. ثــُم شرعتُ في العودة.. تقريباً على نفس طول خارطة طريق قدومي.
و طيلةَ المشوار استفدتُ من قارورَتيْ الماء اللتين تفضلَ بهما ذلك المُراجعُ الطيّـب رَضيُّ الوالدين. (و كنتُ قد أحسستُ من ملامحهما و من سلوكهما، بأنّ أصول هذه العائلة كانت من المدينة المنورة (بما هو مشهودٌ لها عن طِيبة اهلها و نعومةِ طويتهم!)
و في طريق عودتي لبيتي لاحظتُ عِدةَ محلات و مكاتب و شركات، بل و بَقّالات و غيرها مما كنتُ لا ألاحظها عبر السنين أثناء مروري عليها و انا أسوقُ سيارتي. و من ذلك كانت 'بقالة البسّام' على شارع حمد الجاسر -الذي مِن طوله استغرقتُ ١٧ دقيقة لأقطعه؛ و لاحظتُ أنّ عدداً كبيراً من مرتاديه كان واقفاً على الرصيف خارج البقالة، فاستغربتُ، و حاولتُ تفسيرَ ذلك بقربِ حلول موعد حظر التجوّل؛ و بالفعلِ لمحتُ مرورَ سيارةِ للدورية؛ و كانت في جيبي أوراق وصفةِ أدويتي التي من أجلها خرجتُ إلى المشفى. (أمّا سببُ تجمعِ الزبائن خارجَ تلكَ البـَقـــّالة.. فتبيّنَ أنه تنظيمٌ للسماح بدخول/تواجد عددٌ محدودٍ (داخلَ) تلك البقالة و أمثالها).
و في مشروع مشيي هذا حوّلتُ الليمونة إلى (ليموناتة).!! و ذلك باكتسابي بعض الرياضة و استعادة شيءٍ من الرشاقة!
و هناك أماكنُ و لوحاتٌ تعريفيةٌ مررتُ عليها و شاهدتها في طريقي هذا الشارع و غيره ما كنتُ قد لاحظتـُها
من قبل. فمثلاً كان في هذا الشارع فرعٌ OYO للفنادق و الشقق المفروشة (يابانية؟) و هي التي كنتُ المحُها فقط خلال سفراتي أو على الإنترنت.
ثم كانت لوحةٌ اثارت انتباهي على لوحة محل حلاّق تركي تُبيّنُ إسمَ و صورة (سَكسوُكة)، الكلمة التي كنتُ و مُجايليَّ قد سمعناها في حوالي ستينيات القرن الماضي حين كانت إشارة بعض الكويتيين إلى شكل لِحانا! و رؤيتي كلمة سَكسوكة هذه المرة بشارع حمد الجاسر في جدة و على لوحة حانوتِ حلاقٍ تركي.. ستدفعـُني للبحث عن تلك اللفظة عند احد معارفي على ضفاف بوسفور اسطنبول و ما حولها. فكلمة (سَكسوكة) تُذكــّرُني بمقالة كنتُ قد كتبتــُها عن لفظة (شــَكشوكة) ثم صارت ضِمنَ موضوعات كِتابٍ لي يحوي آلاف المفردات و عدداً من المقالات، سعياََ للتقريب بين الأتراكِ و العرب؛ (و الكتابُ طيَّ الإعدادِ للنشر.)
واصلتُ خطَّ عودتي للبيت، فوصلتُه قبل الثالثة. و كان ذلك بعد مشي لمدةٍ طالت الساعة و عشر دقائق، في مشوارٍ من حوالي 10 كم في أكثر من ساعتين، ذهاباََ و إياباً. و أتصورُ أني إنْ عاودتُ مهمةً شبيهةً لهذه فقدْ أقطعُها في زمن اقل، خاصة إنْ خرجتُ في بكور النهار و طراوة الصباح.
و نكرٍرُ تحايانا لكافةِ المناضلين في القطاعِ الصِّحي، و نلهجُ بالفخرِ بهم و بالامتنان لهم!