المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
الشاعرة أنيسة الهندي
الشاعرة أنيسة الهندي
الشاعرة أنيسة الهندي

النسيان .. نعمة أم نقمة ؟*


**** الدهشة و الذهول ..عيون حائرة و جمل مفككة غير مترابطة .. كلمات متناثرة ..تحيط بها القلوب و تحار العقول في تركيب كلماتها لإرضائها ..تلك هي صديقة أمي التي أمسكت بيد الخوف و القلق على يد أمي خشية حزنها على صديقتها المصابة بداء الزهايمر .. ذاك العدو اللدود و الصديق الحميم لكثير من كبار السن ..يأتيهم في خريف العمر .
*** القلوب تخفق حين تسير* بين ممرات المستشفى باحثا عن إنسانة كانت كل حياة أبنائها و بناتها فصارت مجرد مريضة في غرفة رقم كذا ..هذا هو اسم التعريف الجديد لصديقة أمي التي كانت ككل إنسان مفعمة بالطاقة و الحيوية* تضج بالآمال و الطموحات ..الأيام كانت عندها أوعية للفرح و السنوات أوان زهور تبث الحنان و المحبة لأبنائها و بناتها ..حين اقتربنا من غرفة رقم 18 تسارعت النبضات و اتسعت عيني و أنا أتابع أمي اقتربت منها أكثر لأشعرها بدفء حناني ة احتوائي لها يا ريحة الجنة .
**** لقاء مختلف هذه المرة بين أمي و صديقتها ..الدموع و الحشرة تملكت أمي* بينما صديقتها تتذكر شيئا و تنسى أشياء ..ضمت أمي يدي صديقتها بحنان و قبلت جبينها و دعت لها ..الدموع حاولت أن أخفيها حتى لا تضعف أمي أو صديقتها ..قديما كان لقاؤهما يبتسم بكلمات الأمل و الشباب و الحياة الجميلة ..فما بالي أراه الآن حزينا ؟ أهو تأثير السنين أم آثار الزهايمر ؟
** ذاك المرض الصامت* الهادئ ..يعتبره أكثرنا نقمة ؛ فنسيان الأهل و الأصدقاء و حتى الذكريات القديمة هي نقمة و ابتلاء ..فهل تتصوري* أيتها القارئة حياتك دون ذكريات ! وجوه دون ملامح ! شوارع دون عناوين ؟ لغتك مضطربة ناتج عن وهن في الأنسجة العصبية ! تتوه في متاهات الذاكرة علّ ما تبقى من (عقل ) يسعفك لتفهم ما يدور حولك أو لتجيب عن مقصد أسئلة طبيب* أو صديق !
*** كنت أسمع كثيرا عن بعض مرضى الزهايمر الذين يخرجون من بيوتهم ثم يضيعون طريق العدوة .. وحين يحاول أحد مساعدتهم لا يستطيع المصاب ذكر عنوانه أو حتى اسمه ! في بعض المصحات العقلية و الطبية و خلف الأبواب المغلقة حكايات تستدر الدمع و ترفع أكف الدعاء* بأن يتولى الله برحمته هذا الشيخ أو تلك العجوز .
** في الجانب الآخر ..ثمة أشخاص يعتبرون النسيان نعم ! فسيان الألم و طعنات الأصدقاء و هجر الأحباب و مصائب الدهر تكون أكبر من أن يتحملها الجهاز العصبي ..فيرفع راية الاستسلام و يحلق في عالم الخيال و كأن لسان حاله يقول : كفى ..لقد اكتفيت من حوادث السنين و نوح الأنين ..هذا الاستسلام هو هروب من مرحلة متقدمة جدا من المرض حين يصاب المبتلى بنوبات صراخ ممزوجة بغضب مع لحن حزن بخوفه حتى من أفراد أسرته ..فاللهم نسألك حسن الختام لنا و للمسلمين و المسلمات .
بواسطة : الشاعرة أنيسة الهندي
 0  0  12.6K