لتعزيز 'الرَّفاء'، مع محدودية 'البنين'!
اعاودُ هنا مع مطلع ٢٠٢٠م الكتابة عن أهمية تخفيف الإنجاب و التأكيد على ضرورة الحد من النسل و التناسل و الإفراط و الضغط و التكاثر!
في مجتمعنا الشرقي العربي نجدُ توالي إصدارِ الدعوات لحفلات 'عقد النكاح' و 'حفلات الزفاف'.. و فيها نجدُ العبارة التقليدية الثابتة و التي تحمل العشم و الدعاء للمخطوبين بالرفاء و (البنين). ثم نجدُ في كثير من الأحوال الخلطَ بين 'الرفاء' و 'الرفاه'.. (و شتّان بينهما!) و نأمل انهم يقصدون أن يعمّ (الرفاء) و أن يعشعش على العروسين.. و ذلك بمعنى موفور 'الوفاق' و التوافق و الاتفاق؛ و وافر الانسجام و عامر السلام.. بينما الذي نلاحظه فعلاََ هو -في المقابل- مظاهر (الرفاه).. و انواع (الرفاهية) و الترف و الاسراف.. و ذلك في النشاطات و التجهيزات و الترفيه و المأكولات و المشروبات! و بذا يجري التركيز على (الرفاه) على حساب (الرفاء)!
و ليتنا نسارعُ هنا بالتركيز على أهمية الاعتناء بتنسيق و ترتيب (سيرورة) الحياة عند الزوجين، و من ذلك الحمْل و النفاس.. فنرشّد منظومة الانجاب بتقديم النوع على الكم؛ و أن نمعنَ النظر في أهمية عدم الاستعجال في الحمل.. بل ان نترك لطرفي شركة الحياة المبتدئة أكثر من فرصة لترسيخ العلاقة الثنائية (بينهما)؛ فلعله من الغنيّ عن القول بأن فترة التعارف و الخطوبة حتى و لو استمرت لفترة فإنها تبقى مجرد فترة تعارف و خطوبة.. و ليست هي الحياة الفعلية فيما بعد النطق بلفظة `قبلتُ'، مِنها و منه!
فليتنا نؤجل قليلاََ استعمال كلمة 'البنين' في عبارة (بالرفاء و البنين)، و أن ندعوا ضارعين
لهما -في المقابل- بموفور (الرفاء و الوئام و (التوفيق) و الانسجام.
و مما يُساهمُ في توطيد 'العلاقة' الحسنة و تثبيت 'الرفاء'.. تأخيرُ الاستعجال بالبنين و ترك مجال لتنمية أحوال الزوجين العروسين، الاقتصادية و الاجتماعية.. و أن يمضيا في التشارك في اكتساب موارد العيش و المعيشة -بعد فترة الملف الأخضر و تحسس معنى الشغل و تلمس مقدار الراتب الصافي- و في تنمية قدراتهما المادية و الشخصية و النفسية.. و لتكوين بيت عشرتهما الزوجية بمختلف متطلبات السكن الأساسية بالتجهيز الكافي لنمو و نماء عش الزوجية؛ ثم بما يلزمها من الإعداد لمولودهما الأول.. و ذلك (بعد) مرور سنة أو سنتين من عقد زواجهما و حفل زفافهما.. و بعد اكتشاف الحياة على حقيقتها.. فيما وراء جلسة قهوة هنا أو عشاء في سهرة هناك.
فإن من حقيقة حقائق الحياة انها أصبحت فائقة في التعقد و في التشعّب.. سواءََ في المأكل و المشرب، أو في الصيانة و العلاج؛ او في الترفيه و تنمية أوجه المواهب و تنمية الإبداع عندهما و عند من يـُنجبانه. و قد تكفي هنا الاشارة إلى تكاليف حتى بعض أدوات التواصل و أجهزة التسلية و التعلم.. و هل لنا أن نذكر -و لو فقط على سبيل المثال: اقتناء اول (جوّال) للطفل و هو في سن السنة الأولى الابتدائية او حتى في الروضة: فهل يا تُرى سيقبل بالجوال ذي قيمة الخمسين او المئة ريالاََ؟! ام انه سيطلب - و يطالب!- بأمثال الآيباد و الآيبود و الآيفون.. و ما يتلو هذا و ذلك و ذاك من (آي-آي)!!
فالمأمولُ هو تحاشي تركيز التعجيل بـ(البنين).. و العمل على تأجيل و تنظيم الحبـَل و النفاس قليلاَ.. بما يساهم في تخفيف وطأة الأعباء الاقتصادية، و الاجتماعية، و السكانية/الاسكانية و العطالة و البطالة. و بذا يمكننا التركيز على تقديم الاهتمام بتوفير الضروري و اللازم من أسرّة المشافي و مقاعد الدراسة في مختلف درجات السلّم التعليمي.. من الروضة إلى الجامعة؛ و بتوفير مواقف السيارات و تخفيف كظة المرور و اكتظاظ الطرقات.. و كذلك توفير العديد و الضروري من الحدائق و المماشي و أماكن الترفيه و المسابح و البلاجات و المسارح و المراسم و المنتزهات.
و إلاّ فلا و لن يتحقق ايّ من هذا مع وافر التدفق الدافق للإنجاب. و لنا العِبرة في دول من الشرق للغرب، من إندونيسيا إلى إيران إلى مصر إلى نيجيريا. حيثُ لم يُسعف كون جلّ هؤلاء دولاََ نفطية و بمستوى عضوية رابطة الأوبك. و يمكننا هنا تصور حتمية المفارقة و المعضلة بأنّ توافر و تعالي مستوى النفط لم يُسعف -بذاته- في توفير الحياة الكريمة و لو للغالبية الأساسية. و أنّ (أحد) اهم أسباب ذلك هو اختلالُ الميزان بين الموارد و الإفراط في الوالد! و لن يقطع أرضاَ و لن يصل رحِماََ مجردُ تصميم و حبك و اعلان الخطط تلو المخططات طويلة المدى و متوسطها؛ ربما و لا حتى في ٢٠٩٠م.. إن نحن ظللنا نعاركُ و نفارك في لملمة قِربة مخزوقة!
كما و لم و لن يُجدِ التعلـّقُ بالاشارة فقط إلى سعة مساحة الأرض أثناء تبرير الدعوة للتوالد و التناسل و التكاثر؛ فمساحة الأرض بذاتها (دون توافر وسائل و مقوّمات الحياة الكريمة) لن يجدي نفعاََ. و لنا في مصر المثال الواضح، حيث انه رغم نهر النيل الطويل السلسبيل إلاّ أن (مساحة) الأرض المأهولة و الصالحة للسكنى لا تتعدَّى ٩,٥٪ من إجمالي البلاد!!
فدعونا نتضرّع في الدعاء لعرساننا بموفور الرفاء (التوفيق و الوفاق)، لكن مع الحرص الحريص على ارساء قواعد بُنيتهم الزوجية المعتمدة على العقلانية في الإنجاب..مع النوعية في التنشئة!